اعتاد الوسط الأدبي بين الفينة والأخرى على مشكلة هنا وخلاف هناك، وحرب هنا وصراع هناك، لكن كل تلك القضايا لا تتجاوز أن تكون سجالاً عبر مقالات أدبية وفكرية وتراشق بالاتهامات والتحزيب والتخوين، ولا تلبث أن تخمد نيرانها، وينطفئ أوارها، لتغلق الملفات على خلاف بارد ودائم لا ينتهي.
وفي مرات تكاد تكون معدودة تتعدى هذه القضايا محيط الخلاف الأدبي والفكري؛ لتصل إلى المحاكم والادعاءات والمخافر وأقسام الشرطة؛ فتطول القضايا، وتتفرع، وربما انتهت إلى حكم قضائي على أحد الطرفين. ومن أبرز القضايا في الوسط الثقافي السعودي التي صدر فيها حكم شرعي من المحكمة قضية الأديب إبراهيم شحبي حين قاضى من اتهمه بالعلمانية والكفر. ولعل قضية شحبي هي القضية الأولى من نوعها في المجتمع السعودي، وقد تباينت حولها المقالات والأصداء في حينها، وانتهت القضية بالحكم بستين جَلدة على صاحب التهمة، وتنازل الكاتب شحبي.
وفي الفترة الأخيرة برزت أكثر من قضية على السطح، لعل إحداها قضية وكيل وزارة الثقافة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان ضد عضو أدبي تبوك عبدالرحمن الحربي، التي ما زالت محل نظر في المحاكم الشرعية، والتي رفعها الدكتور الحجيلان مدعياً فيها على الحربي اتهامه بتزوير انتخابات الأندية الأدبية.
المثقفون في مواقع التواصل الاجتماعي انقسموا حول رؤية إحالة القضايا الفكرية والثقافية إلى المحاكم؛ إذ يرى فريق أن الأفكار يجب أن تُدفع بالأفكار والنقاش، وأن يبتعد المتحاورون عن الترهيب بالقضاء, معتبرين أن استعداء السلطة - إن حدث - على المخالف أسلوبٌ رخيص، لا يليق بالمثقف والثقافة. فيما عد آخرون أن المحاكمة سلوك حضاري، يجب أن نتربى عليه، وأن نرحب به ما دام العدل سيسود المتحاكمين, مفرقين في ذلك بين نقاش الأفكار ودفعها بطرق المثاقفة المعروفة والهجوم على الأشخاص؛ فالأفكار محلها النقاش, أما الهجوم الشخصي والاعتداءات غير المبررة فمحلها القضاء الذي هو أجدر بالفصل فيها.
وبين هذه وتلك تظل القضايا عالقة, والخيار خيار المتخاصمين في دفع الحجة بالحجة أو إحالتها للقضاء.. وفي الفضاء متسع لقضية جديدة كل يوم.