تفكك الحشد الصحوي
هناك عاملان يؤثران على قوة أي تيار، أولهما وجود عدو قوي يعين على تقوية التحدي في نفوس العناصر، ولقد كانت الحداثة هي العدو المعلن للصحوة، وهنا صار التشبث بخصم يقوي التماسك الداخلي، غير أن مهارة الحداثيين في تجنب المواجهة أفسد فكرة العدو المحفز وتلاشت النظرية تبعا لهذا، ثم إن الصحوة تقوم أصلا على حشود بشرية هائلة، ومن هنا جاء المقتل الثاني لأن الحشود صارت تفقد بوصلة التحفيز عندها حين خسرت العدو المفترض، وبالتالي صارت الكثرة الحشودية ضارة من حيث إنها انقلبت على نفسها ومن داخلها فتحركت الظنون بين الصفوف، وجاءت الشكوك من داخل الجسد، وبدأت التفاصيل الصغيرة تكبر حتى صارت فراقا عقديا فيما بين وبين (الجامي / السروري مثلا)، بما إن الحروب الداخلية حلت بديلا للحرب الخارجية مع الخصم الحداثي الذي توقفت عنده نظرية العدو الخطير التي تنسي التخاصم الداخلي من أجل التفرغ للخصم.
حدثت الشقوق فتفرق الحشد، لكن الأفكار بقيت بعد التفرق،وهي بقيت بعد تفكك الحشد لأنها موجودة أصلا قبل قيام الحشد، وهنا قلت وأقول: إن الصحوة ليست منظومة أفكار ولكنها منظومة حشود، وإذا تفكك الحشد انتهت معه العلامة , ولكن الأفكار ستأخذ لها مسارا آخر تعبر به عن نفسها، وهو مسار ثقافة الصورة والمحطات الفضائية ومواقع التوصل الاجتماعي، وعبره صارت جزءا من التعددية الثقافية، وهو تعدد تبرز فيه الصبغة الإسلامية للثقافة حيث هي الأقوى، من بين كل الصيغ التنافسية.