مؤلم حد التندر وموجِع يبعث على السخرية المقذعة وما بين الحالين سؤال مر يُتفنن في الهروب منه والبحث الصادق عن إجابة شافية تقي المشاهد للحدث والمستمع له مرارة الرؤية وبشاعة المسموع في واقع الثقافة والمثقفين، وما كان يجب أن يكون من علاقة تكاملية بناءة تعمل على الرقي والسمو بفكر المجتمع الإنساني المعاصر إلى ما يحقق الفاعلية الحقة من معنى الانتماء للشأن الثقافي وتعزز من نجاح دور يقوم به الفعل المعاش للمثقف المنوط به التنوير الخادم للغير لا الباعث على الانكفاء على الذات والبحث عن مكاسبها ورضاها في صور مخزية يشهد بها واقعنا الثقافي بين الفينة والأخرى في ظل التلاسن المشين بين الذات المثقفة والمؤسسة الراعية للثقافة وتسطيحها المستمر لما يُلحظ من شتات بينها وبين المثقفين الموكل بها رعايتهم وخدمتهم لعوامل عدة عُلِم بعضها وسُكِت عن بعضها ولا يزال الكثير منها في مهاوي الجهل. ويقيناً مني أن ثمة عوامل عدة أسهمت في اتساع الهوة وتردي الحال المسؤولة عن فرضية جمال صور التواصل بين المثقفين أنفسهم أولا وعلاقتهم بالراعي الرسمي لهم. وما الحروب الخفية التي يقوم بها بعض المثقفين ضد بعضهم من بني جلدتهم والسعي الدؤوب وراء تفعيل التهميش دون حياء من دين.أضف إلى ما اعتبره المفكر علي حرب في كتابه ((أوهام النخبة أو نقد المثقف)) سببا رئيسا في موت المثقف ألا وهو لجوء المثقف للشللية والاستكانة لها لكونه يعد نفسه نخبويا.كل ذلك وغيره من الصور المشينة يدعو للشفقة من حال وصل بها الأوصياء على صلاح العالم، وما العزوف المشاهد عن الانضمام في الجمعيات العمومية للأندية الأدبية إلا برهان جلي على سوء العلاقة بين ذوات المثقفين قبل أن يصل الأمر إلى ما أشد سوادا وهي ما وصل به البؤس في الحال التي عليها المثقفون مع المؤسسة الراعية لهم، ومن يدرك جوهر هذا الشأن يعلم أي تضاد وتناقض يسري في ردهات التعاطي الحالي غير القادر على البناء الموجب للتأثير في الحركة المعرفية في المجتمع وتهيئة الأرضية الصالحة الصلابة للنشء القادم من المثقفين للتعامل مع الصيرورة الآنية المقننة لممارسات الفعل الثقافي حسب المعطيات التي ينتجها الزمن وتحولاته المتجددة والمتطلبة قدرا كبيرا من الوعي وهو ما لا يمنحه ولا يقود له هذا الضياع الساري في أروقة التواصل بين المثقف وما يفترض منه أن يكون ظلا ظليلا له. ولا غرابة أن يبقى الحال على ما هو عليه وأنيشرب المثقفون الجدد هذا السم الزعاف فثمة تعالٍ ممارس بين أقطاب القضية عمل ولا يزال على زيادة الخيانات في هذا الوسط واستمرارية حالة الشد والجدب التي تؤدي بأشكال مختلفة موجعة تئد ما رجي من أمل وما حُلِم به من بياض في واقع المثقفين أرباب التنوير وأهل الحل والعقد في زمن العولمة وحداثتها.
إن العمل على إصلاح هذا المأزق ضرورة تتطلب من مثقفي اليوم امتطاء الصدق والمضي قدما في تأسيس الباحة تستوعب هوة الخلاف وتبدلها تصالحا ولا تقبل بجغرافيتها مواطن للضعف تلج منها التأويلات الهادمة للصدق والناسفة له. وبما أن الأندية الأدبية المثال الحي المتجدد لسوء هذه العلاقة إذا ما تخذنا المصداقية مدادا لنا فإن الرغبة في قلب موازين معادلة النشاز السائد إلى نتاج مرضي يقتضي الإقرار بحتمية تأجيل ممارسة الانتخابات في مجالس إدارات الأندية الأدبية لا لعيب في هذه الممارسة الحضارية بل لاعتبارات عدة أسهم كل من المثقف ووزارة الثقافة والإعلام في تحويل المسار المأمول وتشويه صورته عبر لائحة لم تعرف ثباتا حتى الساعة منذ أن شرعت الوزارة في رسم سياسة الانتخابات خاصة حين فتحت الباب على مصراعيه واختلط الحابل بالنابل فجاء من أقصى البشر من لا ناقة له ولا جمل في الفعل الثقافي نصرة وتناصرا ليس إلا، ولعل حظا خدمه فصار مسئولا في هذه الأندية فأسند الأمر إلى غير أهله فكان لنا ما كان من هذا الحنق.على أن إغفال نكوص الكثير من المثقفين الذين تولوا يوم الزحف ولم يدخلوا الجمعيات العمومية رغم تناديهم الماضي والحالي لاستمرار العمل الانتخابي ورفضهم التعيين واعتباره عارا يجب الإفلات منه وهو ما يدعو للحيرة والتساؤل عن السبب الكامن وراء هذا الفرار غير المبرر. ويبقى أن أقول أن التعاطي مع الفعل الانتخابي كنهج ديموقراطي يحتاج إلى نشر مزيد من التهيئة في بنية الوعي المجتمعي قبل كل شيء وتعريفه بمصداقية معطى الانتخاب والأمانة التي يحملها الناخب مع العناية الخاصة بالضوابط والمعايير المتعلقة وطبيعة الهوية الحقيقية لدور الأندية الأدبية في الحركة الثقافة لأي مجتمع كان، وحتى يحدث هذا يبقى التعيين النهج الأقرب للصواب في ظل هذا التصادم المخزي المهين بين بني ثقف.