كان يجلس قبالة التلفاز في غرفة المعيشة، ينتظر بداية البرنامج الأسبوعي الذي يتابعه، ورغم كرهه لمتابعة أي برنامج تلفزيوني إلا أنه تعلق بهذا البرنامج وأحب المذيع بما لديه من حديث له مفعول السحر على جسده، بل ممتصا لكل متاعبه الأسبوعية يوما بيوم وما يخالطها من قلق وخوف. بدأت الحلقة أقبلت زوجته بصينية الشاي أشار بيده عليها ألا تصدر صوتا! ثم وضع الوسادة الصغيرة على طرف الأريكة واستلقى مسندا رأسه عليها، هكذا اعتاد على المتابعة وهو في وضع أشبه بالنائم، بل أنه يحظى بغفوة لذيذة أثناء وقت البرنامج لا يقطعها سوى صوت المذيع حين يعلو:
«لن نسكت... سنطالب بكل حقوقنا.. ليكن من يكن الفساد.. فساد ، وكل من لديه شكوى عليه أن يتوجه للجهة المعنية.. ويراسل الصحف المحلية والأجنبية»
أحس بنشوة مختلفة هذه الليلة، تذكر البيت الذي كان يملكه والأرض في المخطط الكبير، وبطريقة وأخرى أخذ عمه منه قسرا كل ذلك بالتعاون مع موظف وشيخ في المحكمة. أخذ يتطلع ناحية الغرفة الوحيدة التي يجتمع فيها الأولاد والبنات، فلا توجد مساحة إضافية في هذا البيت المستؤجر المتهالك. فكر بأنه سيطلب المساعدة من المذيع، يبدو أنه صاحب حظوة ومن المقربين وإلا ما تركوه يتحدث على هواه عبر الشاشة. وما أن أطلت الشمس قليلا لتكتسي أطراف القرية بالضوء وإذا بصوت هدير سيارته يشق طريقه نحو المدينة حاملا وثائقه الرسمية. وصل عند مبنى التلفزيون والمتميز ببنائه على أحدث طراز معماري، أخذ يتنقل بين المكاتب يسأل هذا وذاك عن المذيع صاحب البرنامج الشهير، ووجده أخيرا:
- ودي أتكلم معك في موضوع يا أستاذ
- تفضل.. تفضل اجلس (قال مبتسما)
حكى له قصته مع عمه وقضية أبيه المرحوم معه ومشاكلهما قبل وفاته، وذكر له تورط موظف في المحكمة وشيخ كذلك. أخذ المذيع الوثائق متحمسا للقضية وطلب منه مهلة أسبوعا واحدا لتقصي الأمر في المحكمة وبطريقة سرية تضمن عدم أذيتهما.
مرّ أسبوع، شاهد البرنامج وهو مسترخ تماما ككل مرّة، ويأمل اللقاء بالمذيع قريبا، جاء الأسبوع الثاني والثالث والرابع .. اختفى المذيع.
** ** **
* بلاسيبو بالإنجليزية placebo تعني الغُفل والمعالجة بالوهم.