لم يدر بخلد الروائي فرانز كافكا أنه سيصبح يوماً رائداً لفن أدبي يدعى (بالكافكاوية) المصطلح الذي يستخدم لوصف الأحداث الغريبة لدرجة السيريالية، بعد روايته الكابوسية التي غيرت خريطة الأدب العالمي «المسخ» التي نشرت لأول مرة عام 1915صاحبة أروع افتتاحية أدبية لي شخصياً وللكثير من الروائيين العالميين كغابريل ماركيز صاحب عمل «مائه عام من العزلة». يبتدئ كافكا عمله المسخ بغريغور الشاب الذي يستيقظ من النوم وقد تحول إلى حشرة ضخمة «ما إن أفاق غريغور سامسا, ذات صباح، من أحلامه المزعجة، حتى وجد نفسه وقد تحول إلى فراشة، إلى حشرة ضخمة» يذكر غابرييل ماركيز أنه وبعد قراءة المسخ لكافكا لم يعلم أنه يُسمح بأن يكتب شخصاً قصة كما كتب كافكا، رأى أن كافكا قد ألهمة وبدأ بالكتابة.
تطرقت رواية المسخ لكافكا إلى عوالم الغربة والاغتراب الداخلي للنفس البشرية والإحساس بعدم الأمان، عالم شيّده كافكا برؤيته الخاصة المليئة بالمعاناة قادها شعور بالاضطهاد، فكافكا أو غريغور شخصية العمل الأدبي هما وجهان لعملة واحدة لا انفصال بينهما حقيقة، فغريغور الشخصية الأدبية ما هي إلا دواخل النفس المضطربة والحزينة لدى كافكا الكاتب، «المسخ» لم يكن مجرد حشرة قذرة ولكن انعكاس الحياة المادية والقاسية واستعباد العالم للإنسان العامل, في ظل نظام رأسمالي يتجرد من الإنسانية، ستجد هنا عملاً أدبياً يدور في مكان واحد ومحدد وهو منزل غريغور سامسا الذي تحول لحشرة، المكان الرئيسي هو غرفة نومه التي ستدور بها أغلب الأحداث والتي ستشهد فيما بعد موته وخلاصه، ستجد أن غريغور أيضاً ارتبط بأثاث الغرفة ارتباطاً شاعرياً جداً ليكشف لنا مدى رقة وحساسية كافكا الكاتب، رف ثيابه وطاولته التي اعتاد عليها وسريره ظهر جلياً عندما أحس بحزن شديد عندما بادرت شقيقته لإخراج بعض قطع الأثاث لتوفر له مساحة أكبر لتتيح حرية حركته، لقد طوّع كافكا كل الوسائل والأدوات لخلق عالمه الخاص بأدوات من الواقع وذلك سرّ تفرّده ككاتب، أيضاً شخوص العمل ليسوا إلاّ عائلته فقط وفي بداية العمل يظهر شخص من العمل يطالب بحضوره ولكن ما يكاد أن ينصرف، لتتبقى العائلة التي هي سبب عذاباته واضطرابه، لم يتطرق كافكا لمواقفه وذكرياته وانطباعاته منهم عندما تحوّل لحشرة، كل الذي أرسله لنا كقراء أنه مذنب فقط لذلك تحول لحشرة بشعة، رغم أنه لا يعلم ما هو الذنب الذي اقترفه. غريغور بطل العمل الروائي اعتاد أن يعيل عائلته ويوفر لهم مستلزماتهم، إنه شخص مجبول على العطاء، وفي تصوّره أنه لم يُخلق ليأخذ ولكن ليعطي، لذلك طغت عقدة الذنب على مشاعر غريغور إلى وفاته.
تأثر كثير من الروائيين بكافكا رغم أن أبرزهم كان غابرييل ماركيز، هنالك أيضاً البير كامي وخورخي لويس وميلان كونديرا وفيليب روث وهاروكي موركامي جميعهم من الشرق والغرب أصبحوا امتداداً للعزلة الكافكاوية.
العالم العربي لم يكن بمعزل عن العزلة الكافكاوية والوجودية يقول: «نجم عبد الله كاظم» صاحب دراسة كافكا في الرواية العربية «إن الروائيين العرب لعلهم أكثر تمثل لموضوع (السلطة والبطل المطارد) الكافكوية، هم: فاضل آل عزاوي، وجبرا إبراهيم جبرا، وجورج سالم، ومحيي الدين زنكنة».
يقول جهاد فاضل في مقالته عالم كافكا «أن أعماله ستظل شابة في داخلها، لن تشيخ لأن كل إنسان مهما كان لون جلده، ومهما كان دينه ولسانه ومكانه، يشعر بأن له صديقاً عليلاً عاش في مدينة براغ، وكتب أعماله باللغة الألمانية، مات مبكراً جداً، ولكن رسالته عبرت عصره إلى كل العصور اسمه فرانز كافكا.»