قرأت بحث (شبه الجملة في النحو العربي مفهومها وأهميتها في السياق) (1) للدكتور سعد محمد الكردي، وفيه ذهب إلى أنّ مصطلح (شبْه الجملة) قد صرّح به ابن السراج في أصوله واستعمله الفارسيّ في بعض كتبه، قال الكردي «وعلى الرغم من ذلك فقد(2) صرّح ابن السراج بمصطلح شبه الجملة، لكنه لم يقصد به الظرف والجار والمجرور فقط، بل قصد ضروبًا مختلفة من الكَلم، وذلك في (باب ما يُحكى من الكلم إذا سُمِّي به وما لا يجوز أن يُحكى)، فقسم ما يجوز النطق به ثلاثة أقسام، وتدرّج في تقسيمه، فذكر الجملة أولًا، وشبه الجملة ثانيًا، وجعله جزءًا من الجملة، ثم انتهى في القسم الثالث إلى الأسماء التي تكون مثناة عند النطق بها... وذلك إذا سمّيت إنسانًا (كزيد) و(بزيد) و(إنّ زيدًا)، و(حيثما)... لأن حيثما اسم وحرف...»(3) ويوهم هذا الكلام من لا يراجع قول ابن السراج أن مصطلح (شبْه الجملة) مصرح به، ولو أن الكردي نقل لنا نص ابن السراج لتبين أنه لم يصرح به، قال ابن السراج «اعلم أنّ ما يُحكى من الكلم إذا سمي به على ثلاث جهات: إحداها أن تكون جملة، والثاني أن يشبه الجملة وهو بعض لها وذلك البعض ليس باسم مفرد ولا مضاف، والثالث: أن يكون اسمًا مثنى أو مجموعًا على حد التثنية.»(4) ثم قال ابن السراج «الضرب الثاني: الذي يشبه الجملة وهو على خمسة أضرب: اسم موصول، واسم موصوف، وحرف مع اسم، وحرف مع حرفٍ، وفعل مع حرف. فجميع هذا تدعه على حاله قبل التسمية من الصرف وغير الصرف؛ لأنك لم تسم بالموصول دون الصلة، ولا بشيء من هذه دون صاحبه»(3)، وواضح من النصين في الصفحة التي أحال إليها الكردي أنّ ابن السراج يتكلم عن العلَم المنقول من الجمل بحكايتها أو حكاية ما يشبهها وهو بعض أجزائها، وليس لهذا علاقة بمصطلح (شبه الجملة)، ولا يمكن أن ندّعي أنّ ابن السراج صرح بهذا المصطلح، ولكن الكردي أوهم قارئه بذلك.
ويمعن الكردي بتوهمه وإيهامه حين يشير إلى استعمال الفارسي المصطلح في موضعين، يقول «وأما أبو علي الفارسي (ت377هـ) فقد استخدم في بعض كتبه مصطلح (شبه الجملة) بالمفهوم نفسه الذي عُرف عند النحاة المتأخرين بعد استقرار النحو العربي ومصطلحاته قاصدًا فيه الظرف بنوعيه الزماني والمكاني والجار والمجرور»، وأشار إلى ذلك في الحاشية (4) من الصفحة (58) بقوله «المسائل العسكريات، لأبي علي الفارسي: 42، والمسائل البصريات لأبي علي الفارسي: 216»،
وأما في المسائل العسكريات فلا نجد في الصفحة المذكورة استعمالًا للمصطلح عند الفارسي؛ إذ يعرض للكلام عن الجار والمجرور من غير استعمال للمصطلح.
وأما في المسائل البصريات فما توهمه الكردي ليس بمصطلح، وإنما أجاءه إلى هذا الوهم تسرعه وسوء فهمه للسياق، ولو أنه قرأ المسألة قراءة متأنية لوجد أن الفارسيّ لا يتحدث عن الجار والمجرور أو الظرف بل عن المحل الإعرابيّ للجملة المبدوءة بمفعول اشتغل الفعل فيها عنه بضميره، وأسهم إغفال محقق البصريات ضبط اللفظ في توهم الكردي؛ وإنما الضبط الصحيح هو (شبَه الجملة) أي مشابهة هذه الجملة للجملة المعطوفة عليها، وهي جملة خبر المبتدأ. قال الفارسيّ «وإذا كان كذلك فالمشاكلة بين الجملتين في العطف جائزة لقيام المشابهة بينهما، ولم يكن ذلك بأبعد من إجرائهم(4) (أيْدَعَ) في المعرفة مجرى (أَذْهَبُ) لما كان على لفظه. وليس شبه الجملة التي يتأول لها موضع تَحْمِلُهُ على لفظها وصورتها بأغمض من شبه (أيدع) بـ(أذهب)»(5).
والذي ننتهي إليه أنه لا ابن السراج ولا الفارسي استعمل أحدهما مصطلح (شبْه الجملة) وأنّ ما ذكره الكردي متوقف فيه لأنه وهم.
** ** **
(1) مجلة التراث العربي، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 128، شتاء 1434هـ ـ 2013م، ص58.
(2) الصواب: وعلى الرغم من ذلك صرّح.
(3) سعد محمد الكردي، شبه الجملة في النحو العربي مفهومها وأهميتها في السياق، ص58.
(4) ابن السراج، الأصول في النحو، 2: 104.
(5) أي: صرفهم.
(6) أبوعلي الفارسي، المسائل البصريات، ص216.
(7) ابن السراج، الأصول في النحو، 2: 104.