«لا يهم سلوك من يملك المعرفة مهما خالف ما يدعو إليه؛ فلنا علمه وله سلوكه»!
مقولة آمنا بها ونرددها على إطلاقها.. وما أكثر الأخطاء التي نرتكبها في حق كثير من المقولات والأمثال التي هي في ذاتها صحيحة لكن تعميمنا لها هو مصدر العطب فيها..
أليس من الخطأ أن أعلّم الناشئة هذه المقولة وأمهرهم فيها ؟! فالازدواجية حينها ستتأصل فيهم إذ الكلام شيء وموافقته شيء آخر! وسيتعتّم عليهم مبنى (القدوة) في وقت هم أحوج ما يكونون إليها.
وإذا كان نيتشة يرى بتحطيم قيم واضعي القيم والمثل وأنه لا إبداع إلا بتحطيمها - حيث يقول: إنكم تجهلون أن في الأمور التي تخضعونها لتقديركم قوة أعظم من تقديركم تنمو وتتفوق على ذاتها لتحطّم غلافها وقشورها، فمن أراد أن يكون مبدعا سواءً أكان في الخير أم في الشر فعليه أن يبدأ بهدم ما سبق تقديره وبتحطيمه تحطيما. - فإني أكتفي بالاستفادة منها دون تعميم أو تصنيم أو تقديس أو تحطيم لغرض التحطيم، ثمت المشي فوقها إذ النبوة والوحي مقصوران على الأنبياء، وبعد الأنبياء لزم الاستفادة من كل جهد سابق ثم الصعود فوقه إلى ما هو أعظم منه وأنور.
النسبيّة، خيار أمثل في التعامل مع الإبداع، والفلسفة، والفكر، أما الأحادية في التعامل مع الإبداع الأدبي والفلسفي والفكري فلن تتمخض إلا عن الكوارث الثقافية والواقعية .
ومن الطريف أن أستشهد بشطر البيت: ما الحب إلا للحبيب الأول. كلمة خرجت من فم شاعر يحكي تجربته الضيقة الخاصة أثارت زوبعة إلى اليوم ولن تخمد إلا أن يشاء الله، تلقي المجتمع بجميع فئاته لهذا البيت تلق موحد: إيمان الأغلبية به - لأنه شعر، لتفوه ذو المكانة به، لنطق القوي به - رغم أنها كلمة هذر بها شاعر وأنبى بها عن حاله في ذلك الوقت! لكن الناس -بجميع فئاتهم العلميّة- و يا للعجب، ظلوا إلى اليوم يتغنون ويستشهدون بها وقد يخربون حياتهم بسببها، وما العيب بها، بل بهم وبقراءتهم لها.
المتلقي من يصنع الفرق والمجد جنبا إلى جنب مع المنشئ الأصلي.
«إن أكذوبة المثل ظلت إلى حد الآن اللعنة الحائمة فوق الواقع، وعبرها غدت الإنسانية مشوهة ومزيفة تزييفا بلغ حد تقديس القيم المعكوسة» نيتشة. لست هنا لأقلل من شأن الأمثال والأشعار والحكم لكنها في أجود حالاتها تمثل وجها للحياة والأحوال والمآلات وتستعصي عليها وجوه كثيرة قد تكون أجدى من الوجه الذي خَبِرَتْهُ، وقد تكون قيودا عن فضاء أرحب منها وأغزر، وقد تكون مثالية سرابا تفوّت على الإنسان أن يعيش واقعه وأحلامه بقدر من العقلانية والواقعية والإنتاجية.
خاتمة ..
جميل أن نقرأ، وعظيم أن نفهم ما نقرأه، وأعظم منه أن نحاكم ذلك المقروء ونضعه في مكانه الصحيح.