هناك إحصائية تقول «في كل ستة أيام يوجد مهرجان سينمائي في العالم» وهذه المقولة وهذه الإحصائية غير مبالغ وغير مشكوك فيها لأن طبيعة المهرجانات متنوعة جدا، حيث هناك مهرجانات دولية وأخرى محلية. وهناك مهرجانات متخصصة في أفلام البيئة وأخرى عن أفلام المياه وثالثة عن الكرتون ومهرجانات عن الصحة ومهرجانات متخصصة بالأفلام الوثائقية. ليس في كل بلد مهرجان بل مهرجان في كل مدينة وضاحية وقرية، وهناك المهرجانات ذات الطابع الاحتفالي الكبير وأكثرها شهرة مهرجان جوائز الأوسكار التي توزع في صالة مسرح كوداك في مدينة لوس أنجلوس – كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر مارس من كل عام.
لم يتفق المؤرخون على أصل كلمة «أوسكار» وهو اسم لشخص، وكل ما يقال بصدده أقرب إلى الدعابة.
لا شك بأن أمريكا تفخر بصناعة السينما وتاريخها ويفخر بها السينمائيون ويتعلمون منها. ولعل مهرجانات السينما في العالم تعلمت الكثير من احتفالية لوس أنجلوس السينمائية السنوية ومن جائزة الأوسكار ومن الصعب استنساخ هذه الاحتفالية التي لا تعرض فيها الأفلام ولا تتنافس على الجائزة لأن احتفالية جوائز الأوسكار هو إنتاج آراء «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» في الأفلام المنتجة كل عام وفي التاريخ السينمائي. تأسست هذه الأكاديمية في الحادي عشر من مايو عام 1927 في كاليفورنيا وتضم أكثر من ستة آلاف متخصص في فنون السينما»
لابد هنا ونحن نتحدث عن مهرجانات السينما وتاريخها ومن المؤثر فيها وما هي أهدافها أن نحدد من هو الشخص ومن هي الجهة التي ابتدعت السينما وحركت الصورة الثابتة لتصبح متحركة ومنها نشأ الفن العظيم، الفن السابع، فن السينما.
احتفل العالم الثقافي السينمائي عام 1995 بمناسبة مرور مائة عام على أول عرض سينمائي في فرنسا أقامه الأخوان لومير في ديسمبر عام 1895 في الصالون الهندي في الجراند كافيه الكائن بشارع «كابوسين» بالعاصمة الفرنسية وبعد عام أي في عام 1896 تم عربيا أول عرض سينمائي في مقهى «زواني» في الإسكندرية، بمصر.
حقيقة الأمر أن السينما وتحريك الصورة لم يجر لا في فرنسا ولا في أمريكا. إن الفضل في تحريك الصورة يعود إلى البلجيكي «جوزيف بلاتو» الذي فقد بصره بسبب التجارب التي أقامها معتقدا وهو ما ثبت صوابه أن تحريك الصورة مرتبط فيزيائيا بالعين التي تحتفظ في كل صورة ثابتة بأقل من عشر الثانية وقد تحركت الصورة بسبب تجاربه لكنه لم يتمكن من مشاهدتها لفقدانه البصر بسبب التجارب التي كان يجريها على عينيه! وكان ذلك عام 1833 ويعزى أيضاً للبريطاني «بيتر مارك روجيت» عام 1824 الذي كان يبحث في ذات الاتجاه. ولكن في العام 1889 تمكن العالم الأمريكي «توماس أديسون» من تحريك الصورة على جهاز «الكنتوسكوب» وهو يشبه صندوق الدنيا أو صندوق الفرجة عندنا أو بالأحرى إن صندوق الدنيا يشبه «الكنتوسكوب» في شكله الخارجي. وكان يشاهد الصور المتحركة شخص واحد فقط، فكانت صالة السينما التي أنشأها توماس أديسون تضم عدداً غير قليل من هذه الأجهزة يتناوب على مشاهدة الصورة المتحركة من خلال كل جهاز» كنتوسكوب» شخص واحد كل بضع دقائق. وكان أثرياء القوم يأتون بملابس السهرة لمشاهدة صور تتحرك لبضع دقائق. لكن الأخوين لومير حققا مشاهدة الصورة المتحركة على الشاشة لجمهور واسع كان يشاهد عددا من الأفلام القصيرة التي لا يتجاوز طول الواحد منها ستين ثانية. كان ذلك في ديسمبر عام 1895.
لماذا أمريكا كانت المهتمة الأولى بهذا الفن الذي أطلق عليه اسم «الفن السابع». إن الرأسماليين اليهود هم أول من اهتم بصناعة السينما، وجاء ذلك بناء على توصية مؤتمر «بال - بازل» الصهيوني في سويسرا عام 1897 لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعد أن شاهدوا الصورة الثابتة تتحرك بعد عامين فقط من أول عرض سينمائي أدركوا أهمية وخطورة هذا الفن الجديد،
بمعنى أن المؤتمرين بقيادة «ثيودور هرتزل» أدركوا أن هذا الفن الجديد سوف يشكل مستقبل العالم فدونت توصية في مقررات المؤتمر تنصح اليهود باستثمار فن الصورة المتحركة في نشاطهم لإقامة ما أطلق عليه «الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين» فشكل ذلك حافزاً لأصحاب الرساميل ولمالكي المصارف بدعم صناعة السينما التي بني أساسها على تلة حافلة بالأشجار الشوكية «أشجار الهولي» وأطلق على المنطقة منذ ذلك التاريخ “Hollywood” وكانت أول وأهم شركة عملاقة قد تأسست بدعم من المصارف التي يسيطر عليها اليهود وهي شركة «مترو جولدين ماير - مائير» حيث تم استثمار السيولة النقدية للمصارف في مجال السينما بدلا من فكرة الادخار الجامدة والمجمدة للمال، وتجاوز فكرة تركز وتمركز رأس المال. ثم توالت الشركات داخل غابة أشجار الهولي ومنها يونايتد أرتست وكاليفورنيا وفوكس القرن العشرين وكولومبيا وبارمونت، إضافة إلى مترو جولدين ماير، وأزدهرت عن طريق هذه الشركات صناعة الأفلام وصارت لها أهداف ثقافية وأخرى سياسية.
من يحصد جوائز الأوسكار؟
الأوسكار ليس جائزة مهرجان سينمائي. أنها حصيلة كل عام من المشاهدات السينمائية من قبل منتسبي «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة». اليهود لهم الحصة الكبرى سنويا في الحصول على جوائز الأوسكار، ليس فقط لأنهم يهود، بل لأنهم مبدعون! وهنا تكمن الحكمة واللعبة اليهودية. أنهم ينتقون المبدعين من الممثلين والمصورين وممثلي الأدوار الثانية ومهندسي الصوت وتقنيي المونتاج ومبدعي المؤثرات البصرية والصوتية ومؤلفي ومنفذي وعازفي الموسيقى التصويرية.. تجد أغلبهم من اليهود، وهي قدرة يتميزون بها بسيطرتهم على المال والميديا والثقافة. كانوا ولا يزالون عالمياً وعربياً.
ثلاثة مهرجانات سينمائية دولية
في العالم توجد ثلاثة مهرجانات سينمائية دولية متألقة ويطمح المخرجون والممثلون وتقنيو الأفلام بالمشاركة فيها والحصول على جوائزها. وهذه المهرجانات حسب أقدمية تأسيسها هي:
المهرجان الأول والأقدم هو مهرجان فينيسيا في إيطاليا
المهرجان الثاني هو مهرجان برلين السينمائي الدولي في ألمانيا
المهرجان الثالث هو مهرجان كان السينمائي في فرنسا.
أولاً - مهرجان البندقية السينمائي الدولي وهو الاسم الرسمي للمهرجان واسم المهرجان بالإيطالية:
Mostra Internazionale d›Arte Cinematografica di Venezia
وهو أقدم مهرجان سينمائي في العالم تأسس عام 1932 أسسه جوزيفي فولبي وكان يحمل اسم:
Esposizione Internazionale d›Arte Cinematografica
وجائزة هذا المهرجان هي الأسد الذهبي لأفضل فيلم سينمائي وتقدم الجائزة في المسابقة الرسمية للمهرجان. كما تقدم جائزة لأفضل ممثل وهي جائزة كأس فلوبي «Coppa Volpi
مهرجان برلين السينمائي
ويسمى بالألمانية Internationale Filmfestspiele Berlin
تأسس المهرجان سنة 1951 في العاصمة الألمانية برلين وينعقد كل عام من التاسع من فبراير حتى التاسع عشر من كل عام في قصر برلينالي الواقع في ساحة «مارلين ديتريش»
جوائز المهرجان هي الدب الذهبي والدب الفضي وكاميرا برلينالي. والدب هو رمز العاصمة الألمانية برلين.
معلومة: «مارلين ديتريش» التي يقام المهرجان في ساحة سميت باسمها هي إحدى نجمات هوليوود السينمائية وهي ممثلة ألمانية. طالب الشعب الألماني بنقل رفاتها من ألمانيا لأنها ظهرت بملابس جندي أمريكي في أحد أفلامها عن قصف ألمانيا من قبل أمريكا وقوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية فاعتبرت خائنة لوطنها حتى وإن كان هدف الحلفاء هو التخلص من الدكتاتورية والنازية الألمانية التي كانت موضع رفض من الشعب الألماني «الفئات المتقدمة فكريا» والتي ترفض تيار النازية الغريب عن الحياة والتي سمي فيما بعد بتيار الخرتتة بعد أن جسده يوجين يونيسكو في مسرحية الخرتيت. الألمان يعتبرون الاحتلال ومناصرة الاحتلال أيا كان شكله مرفوض أخلاقيا ووطنيا وظهور مارلين ديتريش في فيلم وهي تلبس الزي العسكري الأمريكي كمجندة تساهم في احتلال بلدها هو مرفوض وطنيا ويندرج في مفهوم الخيانة الوطنية. موقف الألمان اليهود من «مارلين ديتريش» مختلف عن موقف الألمان غير اليهود لأن اليهود يعتبرون أمريكا والحلفاء كان لهم الدور الأكيد في تخليص ألمانيا من النازية كتيار معاد للسامية ولليهود.
مهرجان كان السينمائي
فرنسا التي تعتبر نفسها أكثر البلدان عناية بالثقافة، فإن وزير التعليم العام والفنون الجميلة الفرنسي «جون زاي» بادر بإقامة مهرجان سينمائي ثقافي دولي في فرنسا كي ينافس مهرجان البندقية السينمائي الذي ذاع صيته وانتشر ثقافيا في أرجاء المعمورة. وكان تقرر افتتاحه سنة 1939 برئاسة «لوي لوميير» أحد مخترعي فن السينما بشكله السائد اليوم، بمعنى تجاوز حركة الصورة فحسب وتحويل الصورة المتحركة إلى سينما يؤمها جمهور عام يحضر عرض الأفلام في صالات السينما ويتم عرضها على شاشة سينمائية.
يهدف مهرجان كان السينمائي إلى تشجيع تطور الفن السينمائي بكل أشكاله، وإنشاء روح تعاونية بين البلدان المنتجة للأفلام والمحافظة عليها «من النظام الداخلي الصادر عام 1948»
الدورة الأولى للمهرجان تأخرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1946 حيث انعقدت الدورة الأولى في العشرين من سبتمبر أيلول عام 1946 وأستمر ينعقد كل عام باستثناء دورتين هما دورة عام 1948 ودورة عام 1950. ومنذ العام 1952 انتظمت دورات المهرجان لتنعقد في مدينة كان في شهر مايو أيار. وتدير المهرجان جمعية غير ربحية بموجب القانون الفرنسي الصادر عام 1901 وأعتبر كذلك باعتباره جمعية غير ربحية سنة 1972.
كان المهرجان ذي طابع مظهري أرستقراطي خاص بما يطلق عليه المجتمع المخملي الذي يحظى بالدعوات. وكانت أغلب الأفلام تحظى بجوائز تقديرية، غير أن حضور مشاهير الممثلين والنجوم ووطئهم السجادة الحمراء أعطى ذلك نكهة للمهرجان وحصل على شهرة دولية «وزادت شهرته وشعبيته عندما بدأ كبار نجوم هوليوود يحضرون عروض الأفلام مثل «كيرك دوغلاس، صوفيا لورين، بريجيت باردو، كاري غرانت، رومي شينايدر، ألان ديلون، سيمون سينيوريه، وجينا لولا بريجيدا - عن الموسوعة السينمائية».
مهرجانات موازية
هناك مهرجانات تحاول أن تأخذ مكانتها في موازاة مهرجان كان والبندقية وبرلين لكنها في حقيقتها لم تتمكن من تحقيق ذلك. وإذا كان المخطط اليهودي التاريخي قد تمكن من التوغل بشكل نسبي في هذه المهرجانات الثلاثة وفي جائزة الأوسكار بشكل أكيد ومؤثر إلا أن المهرجانات السينمائية الأقل تنظيما وتأثيراً فإن التأثير اليهودي الإعلامي وإن كان يشكل حيزا في المهرجان سواء في تخصيص نوعية الأفلام التي تتنافس على الجوائز أو الأفلام التي يتقرر دعمها من قبل المؤسسات الداعمة داخل المهرجان إلا أن استقلالية تلك المهرجانات الكائنة في الصف الثاني من الأهمية تتميز بتأثير يهودي أقل.
إن تأثير اليهودي وتسخير السينما في جانبها الثقافي الإيديولوجي والإعلامي واضح في كل مهرجانات السينما في العالم سواء كان في طبيعة الأفلام المنتجة أو المدعومة أو تلك التي تسلط عليها الأضواء، وقد تسرب هذا التأثير إلى بعض مهرجانات السينما العربية. ومع أن كافة السينمائيين اليهود الذين تسلط عليهم الأضواء موهوبون حقا، لكن الغريب في الأمر أن السينما الإسرائيلية هي سينما متأخرة ويندر أن تسمع عن فيلم إسرائيلي من داخل إسرائيل ذي طبيعة طليعية فكريا وفنيا، فيما السينما الفلسطينية التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي وتعيش ظروفا صعبة بدأت تنهض بشكل واضح وتحقق نجاحات متقدمة في استخدام لغة التعبير السينمائية وتطرح القضية الفلسطينية بشكل حضاري مؤثر وتجاوز الكثير من الأفلام العربية والشرق أوسطية. وعبثا حاولت أو تحاول إسرائيل إنجاز مشروع ثقافي سينمائي إسرائيلي داخل إسرائيل فيما القدرات اليهودية في مجالات السينما وبشكل خاص التمثيل والإنتاج متميزة خارج الدولة العبرية، وفي قراءة تحليلية لهذه الظاهرة يتضح بأن إسرائيل غير قادرة على استقطاب طاقات اليهود داخل المؤسسة السلطوية في إسرائيل فيما العنصر اليهودي له رعاية خاصة في مهرجانات السينما وفي جوائز الأوسكار في العالم، وهي بوابة نحو الشهرة العالمية، إسرائيل غير قادرة على تحقيقها داخل مؤسستها العسكرية السياسية.
لقد حاولت كاتبة سينمائية من إسرائيل أن تغري المخرجين العرب عام 1997 لحضور مهرجان سينمائي يحمل عنوان مهرجان أورشليم ولكنها لم تستطع الحصول على تجاوب من قبل المخرجين السينمائيين العرب. أرادت عبر مفاهيم إذابة جبل الجليد عبر الأداة الثقافية باعتبار السينما ثقافة الشعوب ولا علاقة لها بالصراعات السياسية لكن هذه الواجهة كثيراً ما تستخدم في محاولة لاختراق قيم المثقفين العرب المتوارثة.
مظهرية لا مناص منها
تشكل المهرجانات السينمائية الكبيرة الثلاثة وجوائز الأوسكار في مقدمتها أهم شكل مظهري إضافة إلى حجم ونوع الأفلام التي تعرضها. فبمجرد قبول الفيلم لأن يعرض في أحد هذه المهرجانات حتى يكتسب شهرة وتتاح له فرصة التوزيع والانتشار في أنحاء العالم. وشرط «معاداة السامية» والقصد الكائن وراءه يبقى دائماً شاخصاً في كل تلك المهرجانات وغيرها!
في كل البلدان المنتجة لهذه المهرجانات تتأسس بالضرورة حركات مناهضة معتبرين بأن القيمة الفنية والتيارات السينمائية الشابة غالبا ما تكون غائبة عن هذه المهرجانات التي باتت تعتبر ما يشبه الحركة التجارية الاقتصادية من خلال المظهرية التي تسود عالم المهرجانات الكبيرة. هذه المهرجانات الكبيرة تدعمها شركات عملاقة وتدعمها وزارات الثقافة وهي تحقق مردودات مالية عالية من خلال عروض الأفلام ورغبة الجمهور في مشاهدة الأفلام ومشاهدة نجومها على المسرح وعلى السجادة الحمراء. وفي التاريخ تشكلت حركات سينمائية جديدة لكنها لم تتمكن من مواجهة حجم الأضواء المدعومة من قبل مؤسسات العملاقة. من تلك التيارات السينمائية «سينما تحت الأرض في أمريكا، السينما الحرة في بريطانيا، سينما بيان أوبرهاوزن في ألمانيا، السينما الجديدة في البرازيل، السينما العربية البديلة « كل تلك الحركات السينمائية تلاشت في بضع سنوات.
هل المهرجانات السينمائية بريئة؟
هل هي محض ثقافة وتقدم وعصرنة؟
مهما حاولنا النظر بعين الرضا عن مهرجانات السينما وبشكل أساس المهرجانات الأساسية الثلاثة «فينيسيا، برلين، وكان» باعتبارها احتفاليات ثقافية لها تأثيرات إيجابية كبيرة في تعميم الثقافة السينمائية، لكن هذه المهرجانات ما كانت في يوم من الأيام صافية السريرة في نظرتها للسينما كثقافة، وسوف لن تكون كذلك!
إن عامل السياسة والأهداف الكبيرة لبعض البلدان تعمل جاهدة على تكريس الثقافة السينمائية لأهداف غير ثقافية.
لنضرب مثلاً في الموقف من المخرج الوثائقي الأمريكي «مايكل مور». وهو مقدم برامج وثائقية من التلفزيونات الأمريكية. لسبب ما وفي قراءته للواقع الأمريكي أدرك «مايكل مور» بأن السلطة والدولة الأمريكية تلعب دوراً غير صحيح في حياة الشعوب وفي تشجيعها للعنف والعمليات الإرهابية. وكانت مشاركته في مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية عام 2007 هي بداية علاقته بالمهرجانات الكبيرة حيث كان قد عرض فيلماً وثائقياً لمناسبة ذكرى مدينة لايبزغ التي هدمتها الحرب ودور أمريكا والحلفاء في تهديم تلك المدينة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. فدعي «مايكل مور» لعرض فيلمه الوثائقي عن العنف في أمريكا وهو بعنوان «بولينج لكولومباين» Bowling For Columbine). ويبدأ الفيلم بشخص يفتح حسابا في مصرف أمريكي. وكان المصرف الأمريكي يمنح لمن يفتح حسابا جديدا بمبلغ معين من المال عند فتح الحساب «بندقية»، ثمينة تشجيعا لفتح حساب جار في ذلك المصرف. فعمل مايكل مور على إقناع شخص بأن يفتح حسابا في ذلك المصرف ثم يسحب المبلغ شريطة أن يقوم بتصوير العملية وتم تصويرها. وانطلق من هذه الحادثة في تفسير عنف أمريكا كمؤسسة مالية وعسكرية تتخذ من العنف وسيلة لسياستها. لم تكن أمريكا راضية عن المخرج «مايكل مور» وبرامجه التلفزيونية وأفلامه الوثائقية. فتمكنت من التعتيم عليه ومحاصرته. هذا الفيلم عرضه «مور» في مهرجان لايبزغ الأبرز في مهرجانات السينما الوثائقية، وقد صادف إقامة مهرجان لايبزغ للفيلم الوثائقي ذكرى قصف الحلفاء لألمانيا ولمدينة لايبزغ التي شكلت في ذلك العام موضوعاً مركزياً للمهرجان. كان «مور» غير معجب بسياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وكذلك الابن. فأرتبط عرض فيلمه هذا الذي يحلل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بالعنف مع عرض فيلم مؤثر للمشاعر عن تدمير مدينة لايبزغ من قبل أمريكا وحلفائها. كنت مشاركا في المهرجان وسألته عن موقفه من أمريكا إزاء موقفها من العراق. قال لي نصاً «هذه سياسة العنف الأمريكية التي شاهدتها في الفيلم هي سمة لأمريكا المعاصرة» لقد استثمر مهرجان لايبزغ الذي يديره اليسار الألماني بعد سقوط ما كان يسمى بألمانيا الديمقراطية وهيمنة الحزب الاشتراكي الألماني على مهرجان السينما في مدينة لايبزغ. استثمروا شخصية «مور» للتنديد بسياسة العنف والحروب التي أدت إلى تهديم مدينة لايبزغ خلال الحرب العالمية الثانية.
وعندما غزت أمريكا العراق لإسقاط نظام الدكتاتور الحاكم في العراق، لم يكن لفرنسا نصيب من حصة الأرباح وعقود شركات النفط وشركات الإعمار. وبرزت خلافات سياسية حادة بين أمريكا وفرنسا فاستثمرت فرنسا مايكل مور عبر مهرجان كان السينمائي وعرضت فيلمه الوثائقي «11 فهرنهايت» وهو فيلم طويل «122 دقيقة»، ومنحته السعفة الذهبية وسلطت عليه الأضواء وقد ترك ذلك تأثيرا سلبيا على سياسة أمريكا التي ردت على فرنسا بالحصار السياسي، وكان سبب الخلاف أن فرنسا لم تحصل على نصيبها من الكعكة العراقية بعد سقوط نظام الدكتاتور العراقي على أيدي قوات الحلفاء! نال الفيلم إضافة إلى السعفة الذهبية 20 دقيقة تصفيق في المهرجان! نكاية بأمريكا وإعجاباً بالفيلم.
من الملاحظ أن مهرجان «كان» هو مهرجان للأفلام الروائية ولا مكان فيه للفيلم الوثائقي. ومشاركة فيلم «مايكل مور 11 فهرنهايت» وهو فيلم وثائقي، في المسابقة يوضح تأثير السياسة على الحياة الثقافية. كما أن منع فيلم الجزائري رشيد بو شارب «الخارجون على القانون» بسبب ضغط اليمين الفرنسي على المهرجان يؤكد حقيقة تأثير السياسة على الثقافة فتصبح ثقافة مشروطة وغير حرة. إذ خضع المهرجان لنداءات اليمين الفرنسي ومنع عرض الفيلم في المهرجان.
كل هذه المهرجانات وكل ما تحتويه من سلبيات، لكنها تظاهرات سينمائية ثقافية قدمت وتقدم الكثير من الحقائق التي تعكسها السينما في أنحاء العالم. كما أن الاحتفاء بالمبدعين من نجوم السينما وتكريمهم يشكل ظاهرة من ظواهر إنعاش الثقافة في عصر يتجه نحو المادة ونحو التكنولوجيا المحضة التي تؤدي إلى اختفاء التأمل الإنساني والمتعة الذهنية والعاطفية.
مهرجانات عالمية موازية
مهرجان روتردام في هولندا مثالا ومهرجان فريبورغ في سويسرا مثالا ثانيا.
هذان المهرجانات اللذان يحملان صفة العالمية ومعترف بهما عالميا يحاول كل مهرجان أن يأخذ مكانته في سياق الثقافة السينمائية المهرجانية، لكن المحاولات أخفقت في أن تضاف هذه المهرجانات كرقم متميز إلى الأرقام الثلاثة «فينيسيا وبرلين وكان» لكن ما يميز مهرجان فريبورغ السويسري انه أوجد نظاما إداريا مختلفا نسبيا عن المهرجانات السينمائية. فإن الضيف المشارك يخضع لاهتمام متميز من قبل قسم خاص في إدارة المهرجان. يتمثل هذا الاهتمام في دعوة الشركات الداعمة ل لسينما في العالم عبر مندوبين لها في المهرجان وتنظم الإدارة لقاءات عملية وواقعية بين المخرجين وممثلي الشركات الداعمة. ويتم كل ذلك من خلال المهرجان وكثيرا ما حصل مخرجون على فرص الإنتاج عبر مهرجان فريبورغ السينمائي، إضافة إلى أن المهرجان ينظم لقاءات ذات طبيعة إعلامية مع وسائل الإعلام وتتم اللقاءات في مواقع يحددها المهرجان نفسه تمثل معالم المدينة ويتم توثيق الضيف في معالم المدينة لأنهم يعتبرون وجود مخرج سينمائي في مدينتهم إنما هو تاريخ ينبغي توثيقه للغد السينمائي والثقافي. هو جزء من دور السينما في تأسيس الذاكرة.
إن أيام مهرجان فريبورغ بالنسبة لي شخصيا هي أيام لن تنسى حيث يتحول المهرجان إلى كرنفال ثقافي حقيقي وتمكنت إدارة المهرجان من خلق جو من الألفة والصداقة والثقافة بين كل ضيوف المهرجان فيما بينهم وبينهم وبين جمهور السينما في المدينة السويسرية.
مهرجانات السينما في العالم متنوعة ولكنها ليست بشهرة المهرجانات الكبيرة ذات البعد التاريخي والثقافي، ولكل مهرجان جمهوره وسماته الثقافية والإعلامية من الهند حتى أرمينيا ومن بريطانيا حتى النرويج. في كل بلد وفي كل مدينة مهرجان، وكذا الحال في العالم العربي الذي أربكه الربيع فضاعت مهرجاناته بسبب الأحداث السياسية الدراماتيكية. ومنها ضياع مهرجان دمشق ومهرجان السينما الفلسطينية في بغداد ومهرجان القاهرة الذي تأجل وكذا مهرجان الخليج في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مهرجانات متخصصة
في كل العالم توجد مهرجانات متخصصة منها مهرجان أفلام الكرتون ومهرجانات المياه ومهرجان الفيلم القصير ومهرجان السينما الوثائقية. وهناك مهرجان له أهمية خاصة ألا وهو مهرجان أفلام أكاديميات السينما في العالم.
مهرجان «أتيودا» لأفلام أكاديميات السينما
يقام هذا المهرجان الذي يسمى مهرجان «أتيودا» في مدينة كراكوف البولندية.
يشكل هذا المهرجان أهمية ثقافية كبيرة كون المهرجان يقدم نتاج كل أكاديميات السينما في العالم في سنة التخرج لطلبة تلك الأكاديميات. هذه الأفلام تتراوح أطوالها بين الدقيقة والستين دقيقة، ينفذها كتابة وإخراجا وتصويرا وكل التقنيات طلبة الأكاديميات في سنة تخرجهم تحت إشراف الأساتذة من كبار المخرجين. وهناك مخرجون عمالقة يشرفون على تجارب الطلبة. وفي الدورة التي ترأست فيها لجنة التحكيم لهذا المهرجان في عام 2004 حضر المخرج الكبير «أندريه فايدا» ليرى ردود فعل الجمهور على نتاج طلبته التي يشرف هو على تنفيذ أفلامهم وقد زارنا في لجنة التحكيم.
لقد شاهدنا أكثر من مائة وخمسين فيلما ذلك العام وقرار المهرجان عدم تعيين لجنة لاختيار الأفلام تسبق لجنة التحكيم كما هو الحال في المهرجانات الأخرى حمل لجنة التحكيم مسؤولية القرار فأخضع كافة الأفلام للمنافسة والتحكيم ويومها كان علينا اختيار الأفلام الفائزة من بين أكثر من مائة وخمسين فيلما بين وثائقي وروائي وبين فيلم قصير ومتوسط الطول وطويل. فيما بقية المهرجانات تشكل لجنة لاختيار الأفلام التي تحمل مواصفات المنافسة ما قادني ذلك كرئيس للجنة التحكيم إلى وضع نظام دقيق ومبرمج لتحكيم الأفلام بشكل موضوعي وعادل «أعتمد النظام الذي وضعته لأسس التحكيم نظاما للدورات اللاحقة للمهرجان».
هذا المهرجان يعبر عن شكل سينما الغد والأفلام المشاركة فيه تحمل صفات التجريب وصفات لغات تعبير جديد وأشكال لم تألفها السينما. أحلام حرة غير مقيدة لا من رقابة الدولة ولا من رقابة الأكاديميات السينمائية حيث في سنة التخرج يكون الطالب مخرج الغد حرا في اختيار الموضوع وشكل تنفيذه سينمائيا. فيمكن للجمهور أن يشاهد عالما جديدا في السينما بكل صيغها الروائية والوثائقية. وبالفعل فلقد أتاح لي المهرجان فرصة تجارب جميلة ونادرة في السينما.
مهرجان سينما المؤلف
في المغرب ثمة مهرجان خاص بالأفلام التي يكتبها مخرجوها، بمعنى الأفلام غير المقتبسة عن روايات لكتابها ولا تشارك الأفلام التي يكتب لها السيناريو كتاب السيناريو المتخصصين، بل المخرج المؤلف الذي يكتب قصة أفلامه ويكتب السيناريو والحوار لها. هذا ما يطلق عليه سينما المؤلف، في المغرب العربي في مدينة الرباط ينعقد سنويا مهرجان سينما المؤلف. هو مهرجان هام ويعاني للأسف من شحة التمويل الذي لو تحقق له الدعم المناسب لتطور ثقافيا لما تحمله فكرة سينما المؤلف من أهمية. المخرجون الموهوبون في الكتابة السينمائية يعتبرون بأن عملية الخلق تكمن في التأليف والإخراج وليس في تنفيذ العملية الإخراجية فحسب، والمخرج المؤلف هو شخصية مرموقة ثقافيا لما يملكه من القدرتين الأدبية والفنية اللتين تكملان بعضهما في الثقافة السينمائية.
مهرجانات السينما العربية
يعتبر مهرجان قرطاج السينمائي الذي ينعقد في تونس كل عامين من أهم وأعرق المهرجانات السينمائية العربية وينعقد مرة كل عامين. تأسس بمبادة من الطاهر الشريعة عام 196 6 وكان في أول تأسيسه مهرجاناً محلياً وخلال عامين فقط حمل صفة العالمية كمهرجان معترف به دوليا، وهو مهرجان ينحو منحى ثقافيا عمد على المحافظة على هويته الثقافية طوال هذه السنوات. ومع ضعف الإمكانات المادية للمهرجان إلى أنه يعمل بعناد من أجل المحافظة على القيمة الفنية والفكرية للسينما وهذا لن يتحقق في كثير من المهرجانات التي تعمل على تقديم الـ «شو» على الثقافة.
هناك مهرجانات في المشرق العربي وأخرى في المغرب العربي. وكلا الاتجاهين ببعدهما الجغرافي يعيشان بعدا ثقافيا مختلفا. فمهرجانات المغرب العربي تغازل الثقافة الفرنسية في أفلامها ونهجها التنظيمي ولغتها المتداولة فيما المهرجانات المشارقية لا تميل نحو هذا الانتماء وبشكله الصارخ. هناك مهرجانات مركزية عربية تدعمها وزارات الثقافة ومنها مهرجان القاهرة السينمائي. ومهرجانات تنظمها اتحادات النقاد وبعض السينمائيين. ولكن ثمة حقيقة غائبة عن الأذهان وتخفيها الصيغة الإعلامية لبعض المهرجانات.
دعيت يوماً كعضو لجنة تحكيم في مهرجان سينمائي عربي. وفي ليلة الافتتاح بعد أن صعدنا المسرح نحن أعضاء لجنة التحكيم شاهدت الصالة ممتلئة بالمشاهدين ففرحت لهذا البعد الثقافي لجمهور ذلك البلد
ولكن ما جلب انتباهي وأنا على المسرح أن المشاهدين قد حضروا بملابس السهرة، وتكهنت أن يكون عدد من المدعوين هم من المدعوين لحفل العشاء التقليدي بعد عرض الافتتاح، لكنني وجدت كل المشاهدين بملابس السهرة من الرجال والنساء، ذلك يعني عدم وجود مشاهدين قطعوا تذاكر الافتتاح لمشاهدة الفيلم. وبعد إلقاء الكلمات وتقديم لجان التحكيم خرجنا للاستراحة فإذا بمرافقي الوفود يدفعون بنا نحو السيارات للذهاب لحفل العشاء فقررت عدم الذهاب والبقاء لمشاهد فيلم الافتتاح وعدت إلى صالة السينما فلم أجد ولا مشاهد واحد وجلست وحدي في تلك الصالة الكبيرة. بدأ مشغل السينما يعرض الفيلم ولم يكن سواي في الصالة، لكنه وبعد ربع ساعة فتح الضوء وتوقف عرض الفيلم! فيما مهرجانات السينما في العالم يصعب على المرء الحصول على تذكرة لمشاهدة الفيلم إذ تحجز البطاقات من قبل الجمهور قبل ثلاثة شهور من بدء المهرجان ما يعبر ذلك عن حجم وعي التلقي لدى جمهور الغرب وانشغال مدعوي المهرجان العرب بالطعام وحفلات عشاء الافتتاح والختام!
إن ما يخجل في مهرجانات السينما العربية هو طبيعة التنافس وطبيعة لجان التحكيم.
لا أظن أن لجان التحكيم العرب قادرون على تقييم الفيلم السينمائي وإن وجودهم ينحدر إلى حد الظلم والعسف، إذ غياب الوعي الثقافي والسينمائي عند أعضاء لجان التحكيم والارتجال في محاكمة الأفلام يؤذي الإبداع ويؤذي مخرجين ربما عانوا كي يتألقوا في فيلم روائي أو وثائقي فتروح جهودهم أدراج الريح أو ربما حتى نسيان الفيلم حيث وجدت أن أغلب التحكيم تقيم فيه الأفلام على طاولة الغداء على شكل «دردشة» فيضيع جهد المبدعين بين التبولا وكأس العرق! وقد أوقفت طريقة التحكيم يوما كنت فيه بلجنة التحكيم ورفضتها وأعدت تقييم الأفلام وفق صيغة علمية وموضوعية وعادلة.
لقد ألغت لجنة التحكيم من المسابقة في ثاني يوم من «دردشتها الثقافية» للمهرجان وعلى طاولة الغداء فيلما مغربيا هاما بإدعاء عدم قدرته للتعبير عن فكرته الأساسية فيما الفيلم كان غاية في الوضوح الفكري وبصيغة سينمائية مدهشة، فاندهشت للسهولة في استبعاد هذا الفيلم عن المسابقة وحرمانه من الجائزة فتمكنت من إعادة الاعتبار للفيلم ورفضت محاكمة الأفلام على طاولة الغداء. بل وحاز الفيلم المبعد عن المسابقة على الجائزة الفضية لذلك المهرجان وكان يستحق الذهبية!
بمثل هكذا استسهال تجري محاكمة الأفلام دون النظر إلى حقيقة مفردات لغة التعبير السينمائية، وصراحة لو كان المحكمون قادرون على تقييم الأفلام لأنتجوا في حياتهم أفلاما ذات قيمة إن كانوا مخرجين ولكتبوا دراسات ذات قيمة لو كانوا نقاداً.
مهرجانات السينما العربية واقعة هي الأخرى تحت تأثيرات خارجية وهو أمر مؤسف، ويوما سوف تنكشف حقائق مخجلة لأن بعض المهرجانات خاضعة لنزوات أفراد لا علاقة لهم بالسينما لا من بعيد ولا من قريب سيما ونحن في عالم ليس لعالم السينما الحقيقية مكان ومكانة فيه. فالسينما العربية بذاتها هي سينما «أي كلام» وهي سينما متأخرة وبالضرورة فإن مهرجاناتها تصب في ذات الحقيقة. بهرجة وبرامج تلفزيونية وبعثرة مال تشترى فيه مواقف سياسية وتغيب عنه القيمة الفنية.
مهرجانات السينما العربية بحاجة إلى بناء ثقافي جديد كان مهرجان قرطاج يمثل هذه القيمة ولكن الواقع السياسي العربي الذي تفجر أخيرا تحت راية الربيع العربي الخفاقة قد دفن بقايا حلم صغير كان يسمى السينما العربية وستدفن بالضرورة مهرجانات السينما الواقعة تحت تأثيرات خارجية مدفونة الأسرار!
تتميز تونس بالثقافة السينمائية، فهي التي بادرت منذ منتصف القرن العشرين إلى تأسيس نوادي السين ما التي لعبت دورا هاما في تأسيس الثقافة السينمائية. فإضافة إلى مهرجان قرطاج السينمائي العريق، هناك مهرجان نابل السينمائي الذي يشكل الملتقى الدولي للسينما العربية وهو مدعوم من قبل بلدية مدينة نابل وكذلك هناك مهرجان «قليبيا» لأفلام هواة السينما وهو أيضا مهرجان تخصصي وينقسم إلى فئتين هواة السينما التونسيين وهواة السينما من أنحاء العالم، ولذلك فهو يكتسب الصفة العالمية بوجود الفئة العالمية لأفلام الهواة. والمهرجان مدعوم من قبل وزارة الثقافة التونسية التي تهتم اهتماما كبيرا ليس فقط في إقامة مهرجانات السينما بل أيضا في دعم عملية الإنتاج السينمائي في تونس وفق نظام متقن ومحكم، ولعل وجود مدينتين للسينما في بلد صغير ومحدود القدرة اقتصاديا يعطي مؤشرا هاما على رعاية الدولة للسينما في تونس.
مهرجان وهران السينمائي..
أزمة داخل الأزمة
على عكس مهرجانات السينما في تونس وفي المغرب فإن مهرجان وهران السينمائي في الجزائر وهو مهرجان عريق، بدأت بوادر انهياره في العام 2012 عندما أعطيت زمام إدارته إلى جهات خارجية غير جزائرية. وكان ثمة صراع قائم داخل وزارة الثقافة الجزائرية في وضع حد للفوضى التي تعم المهرجان كل عام. كانت الأزمة الأولى أن عدد من نجوم السينما المصرية «وتعبير نجم هو تعبير مجازي» رفضوا حضور المهرجان لأن تذاكر الطائرات في ذلك العام كانت بالدرجة السياحية وليست بالدرجة الأولى، حيث هذا التقليد الذي اعتادت عليه مهرجانات الخليج عند دعوة ممثلي السينما المصرية وأعضاء لجان التحكيم لم يكن بمستطاع مهرجان وهران توفيرها إذ يتعامل المهرجان مع السينمائيين تعاملا ثقافيا وليس استعراضيا، فوُجدت أزمة تمثلت في عدم حضور المهرجان والمشاركة فيه ما أوجد أزمة داخل أزمة المهرجان القائمة أساسا والتي مبعثها الفوضى في عدم إخضاع المهرجان لرقابة وزارة الثقافة الجزائرية وخروج الهيمنة الإدارية من اليد الجزائرية إلى يد فرنسية على ما يبدو عبر وسيط جزائري. ومهرجان «أبو ظبي» خضع هو الآخر لسنوات لإدارة أمريكية بمساعدين عرب لا علاقة لهم بجوهر الثقافة السينمائية!
ساد مهرجان «وهران» الجزائري رأي جديد. أن الميزانية التي تتبعثر في شكليات المشاركة السينمائية يمكن أن تغذي إنتاج أفلام سينمائية للسينمائيين الجزائريين الشباب وتحقيق إنتاج سينمائي جزائري ذي بعد ثقافي وتجريبي ما يثري المهرجان بدلا من السجادة الحمراء والـ «شو» العربي والاستعراضي وتذاكر الدرجة الأولى وسيارات ليموزيل سوداء فارهة لكل نجم عربي.. مهرجان بسيط بثقافة أفضل من مهرجان «شو» بدون أفلام ذات قيمة!
مهرجانات معطلة
* توقف مهرجان دمشق للسينما العربية الذي يتناوب مع مهرجان قرطاج التونسي العالمي كل سنتين بسبب الأحداث السياسية الدراماتيكية
* توقف مهرجان وهران وقررت وزارة الثقافة إعادة النظر في تأسيسه من جديد تحت هيمنة مباشرة من قبل وزارة الثقافة الجزائرية
* تعطل مهرجان القاهرة السينمائي بسبب الظروف القاهرة التي تمر بها مصر!.
* تأجل مهرجان الخليج السينمائي قبل ثلاثة أيام من انعقاده لأسباب لا تزال غير معروفة وغامضة.
* إلغاء أفلام وبرامج فلسطين في بغداد
* ارتباك مهرجان السينما العربية في روترادم بسبب صراعات وخلافات بين مؤسسيه، صراعات ذات طبيعة مالية ظهرت على واجهات الصحف الهولندية فتعطل تمويل المهرجان.
من الملاحظ أن العرب في مهرجاناتهم السينمائية مثل ما هم في برامجهم التلفزيونية وأدائهم في تقديم البرامج يمثلون صورة الغرب في بلدانهم حيث تنعدم الهوية الثقافية، ومثل ما هم مستهلكون للأطعمة فإنهم مستهلكون للثقافة ومنها الثقافة السينمائية. مهرجاناتنا السينمائية هي استبدال سجادة بسجادة وممثل بممثل. لم أشاهد مهرجانا سينمائيا عربيا أوجد صيغة جديدة للعلاقات السينمائية وطرائق التحكيم العادلة بحيث يمكننا أن نرى مهرجانا عربيا أو خليجيا فيه روح البلاد وأساليب غير تلك المقلدة والمستوردة لاستبدال سجادة بسجادة وممثل بممثل. مهرجان يدرس فيه واقع السينما العربية والفيلم العربي ويقدم المهرجان ويقام بمستوى شكل وحجم الثقافة بل أن الثقافة السينمائية بحاجة إلى دعم حقيقي قائم على مستوى السيناريوهات ومستوى المخرجين وطرائق دعم السينما حيث أن ما يقدم الآن يشبه الهدية المسمومة التي أما لا تنتج سينما أو أنها تنتج سينما لا تعبر عن القيمة الفكرية والفنية الجمالية للسينما. أو نراه دعماً عشائرياً وأحياناً وهو الأخطر دعما قائما على صيغ التوصيات الخارجية المشبوهة، لذا ينبغي إعادة النظر في صيغ الدعم وأشكالها. وإعادة النظر في شكل المهرجانات وكشف حقائق التخريب الثقافية. وما يؤسف له في شتى المجالات أننا مقلدون لا مبدعون. ويوماً سوف تنكشف الكثير من الحقائق!
مهرجانات السينما العربية في الغرب
تشكل الجاليات العربية والشرق أوسطية في أوربا وأمريكا حيزا ديموغرافيا هاما وفي شتى المجالات. في المجالات الأكاديمية والمجالات الطبية والعلمية والثقافية إضافة إلى النشاط التجاري لتلك الجاليات. وقد تركت تأثيرات كبيرة على مجتمعات الغرب حتى في ثقافة الأطعمة. ويسعى الغرب لاستثمار التنوع الديموغرافي لتحلية المجتمع الغربي وتنوع إيقاعه، فتقوم البلديات في أغلب مدن الغرب بتقديم مساعدات مالية لمهرجانات السينما العربية في كندا وأستراليا وأمريكا وفي هولندا والسويد وبريطانيا وسويسرا وفرنسا. وهذا الدعم المادي يكفل مهرجانا محدودا سواء في جلب الأفلام العربية أو في استقطاب المخرجين والممثلين العرب.
التجار العرب وأصحاب الرساميل المتواجدين في الغرب لا تعنيهم الثقافة ولذلك فإنهم يبخلون في تقديم الدعم المالي للاحتفالات والمهرجانات السينمائية الذي لا يكلفهم شيئا حيث الهدف الثقافي من الدعم يعفي الشركات من نسبة من الضريبة بحجم الدعم الذي يقدم للمشاريع الثقافية والاجتماعية فيما الشركات اليهودية تقدم الدعم المالي للمهرجانات ولصانعي الأفلام من الجاليات اليهودية! وتحصل على إعفاء ضريبي بحجم المال الداعم للثقافة.
لو تم دعم المهرجانات العربية في أوربا وأمريكا وأستراليا وكندا من قبل أصحاب الرساميل العربية ولو تمت الاستفادة من المهرجانات بروح ثقافية وطنية وقومية نبيلة لتمكن المثقفون وهواة المهرجانات السينمائية أو محترفيها من إنعاش الواقع السينمائي العربي ولشجع ذلك عمليتي الإنتاج والتوزيع داخل الوطن العربي إذ قد تتيح مهرجانات السينما العربية فرص الدعم للإنتاج وتتيح فرص التوزيع وعرض الأفلام في القنوات الفضائية الأوربية والأمريكية ما يشجع على تطوير العملية الإنتاجية.
التأسيسات الخاطئة
كل هذه الإرباكات السينمائية كانت متوقعة لأن التأسيسات الخاطئة تؤدي بالضرورة إلى نتائج خاطئة. وكان يمكن لهذه المهرجانات أن تحقق للسينما العربية إنجازات هامة وتعزز طبيعة السينما الناشئة في بلدان الخليج إلا أن العين التي رمت بنظرتها بعيدا واستأجرت أداريين غير عرب وعرب غير أكفاء أودت وسوف تودي بمهرجانات تبدو مهمة لعين الناظر البسيط. وبعض تلك المهرجانات ليست بريئة. أو أنها وقعت في شبك غير معروف صياده!
في مهرجان سينمائي عربي تم الاستغناء عن خدمات مديره الأمريكي. والمهرجان هو اليوم مطالب بإعادة النظر في صيغته الإدارية وهيكليته السينمائية. فلم يبق من مهرجانات السينما العربية سوى القليل. وهذا القليل ينبغي أن يشكل الصيغة المثلى للمهرجان وللثقافة السينمائية.
المملكة العربية السعودية
والمهرجان السينمائي!
تحجم المملكة العربية السعودية عن إقامة مهرجان سينمائي، ظنا بأن المهرجان السينمائي يستقطب نجوم ونجمات السينما في ما يتقاطع والطبيعة الاجتماعية المشروعة للمملكة العربية السعودية. ولكن هذا يمكن أن يحصل في مهرجان الفيلم الروائي.
فلماذا لا تقيم المملكة العربية السعودية مهرجانا سينمائيا ذي طبيعة وثائقية علمية وثقافية؟!
هناك مهرجانات سينمائية متخصصة ومنها فكرة الماء «بسم الله الرحمن الرحيم - وجعلنا من الماء كل شيء حي». وعلى غرار مهرجان الجنادرية واحتفاليته السنوية يمكن أن تقيم المملكة العربية السعودية «مهرجان المياه السينمائي» ولعل المملكة هي من بلدان العالم التي تعاني من مشاكل المياه. وثمة مقولة مفادها «إن حروب العالم القادمة هي حروب المياه وليست حروب البترول» هناك مشاكل عالمية كبيرة تتعلق بالحقوق الدولية للمياه وفي المنطقة العربية لدينا مشاكل مياه النيل بين مصر والسودان وأثيوبيا ومشاكل مياه دجلة والفرات وشط العرب، وتوقعات جفاف الأنهر العراقية بعد عشرات السنين، وهناك تحكم تركيا بالمياه السورية والمياه العراقية، وهناك هيمنة إسرائيل على مياه الجولان والصراع مع الجارة اللبنانية من أجل المياه. وهناك القطار المائي المتوقع إنجازه بين تركيا وإسرائيل. هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالسدود بين الهند والباكستان واحتمالات استخدام المياه والسدود في حرب متوقعة يمكن أن تؤدي إلى غرق قرى ومدن لو فتحت السدود واستخدمت المياه لأغراض غير نبيلة. وهناك سد مأرب ودور المياه في حياة اليمن. هناك البحر ومعنى تحلية المياه. المياه المتجمدة في القطب الشمالي واحتمالاتها!
والجامعة العربية لديها وثائق واتفاقيات وتشكل مشكلة المياه العربية ملفات خطيرة داخل الجامعة العربية، يمكن بحثها سينمائيا.
هناك أفلام روائية عالمية مقبولة اجتماعيا ومنها الشيخ والبحر وموبي ديك وتيتانك. وبحث مشكلة المياه في المملكة عبر أفلام وثائقية ذات طبيعة علمية وموضوعية هي عادة أفلام مؤثرة وساحرة، ويمكن استقطاب طاقات من المخرجين ودعمهم لإنتاج أفلام عن الواقع المائي للمملكة حيث التنوع البيئي والمكاني ما بين الصحراء والجبل ومياه الأمطار التي تغرق الشوارع وكيفية استثمار المياه الجوفية وكذلك دور الماء في إنتاج؟