أرجع أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك سعود المفكر السعودي الدكتور مرزوق بن تنباك فشل القيادات والكفاءات في العالم العربي لعدم وجود حراك مجتمعي فاعل مشددًا على أهمية وجود القيادات الاجتماعية «التي تدير التوازن في حركة المجتمع ومسيرته» وقال: إن القيادات الاجتماعية التي يختارها الشعب وتتشكل بشكل حر لديها مساحات واسعة من الحرية واختارها المجتمع بحيث لاتفرض على الناس بقانون أو نظام رسمي وبدون أي تدخل من السلطة السياسية، فهذه القيادات الاجتماعية الحرة تنمي في المجتمع القيم الفاضلة والأخلاق المحمودة وتضبط سلوكه وتقيم جسور التواصل بين الناس على مبدأ الرضا والقبول بها وبدورها قناعة بأهميتها وضرورة الالتفاف حولها في الأزمات التي قد لا يخلو منها مجتمع من الناس. وعرّف ابن تنباك القيادة الاجتماعية ومسؤوليتها في التاريخ القديم وفي الحاضر وبيّن الحاجة إليها حين يختار المجتمع قيادته التي لا تفرض عليه من السلطة الرسمية بل هو صاحب الشأن في اختيارها حيث أدرك الناس منذ القدم أهمية أهل الفضل وأدركوا نجاح المجتمع كله وسلامته إذا سمع لهم وأخذ عنهم». وأشار إلى أن البشرية منذ قديم الأزل قامت على ثلاث سلطات السلطة السياسية، وعلماء الدين, والقيادات الاجتماعية الراشدة.
وقال إن الاستعمار عندما نزع أوتاده من بعض البلدان العربية كالعراق وسوريا وليبيا أصبح السبيل للسلطة بأيدي رجال قاموا على سلطة قمعية قاهرة اعتمدوا على الانقلابات العسكرية حتى أصبح الفرد أمام السلطة بلا حماية اجتماعية وتحلحل المجتمع إلى أفراد يكونون شعوبًا، وليس جماعات يكونون أفرادا، وهنا نشأت الفردية بكل سوءاتها مما أظهر العجز والفقر فذابت كتلة وظهرت عصابات. وامتدح ابن تنباك استعادة المجتمع المصري والتونسي للقيم الاجتماعية والثبات الاجتماعي لأن حكوماتها «الفاشلة السابقة» أبقت على كينونة هذه الشعوب على عكس شعوب البلدان الأخرى التي أذابت حكوماتها بقمعها واستبدادها القيادات غير الرسمية فيها.
وزاد إن الفقر المدقع والثراء الفاحش يقللان من تماسك المجتمع في حين تحافظ الطبقة الوسطية على نسيج القيم المجتمعية والتكافل والفضيلة كما دافع عن القبيلة التي وجه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قادتها واستفاد منهم في حربه على المرتدين وقال: إن سبب تفكك القبيلة عدم تشكيل قيادات راشدة داخلها مؤكدًا في الوقت نفسه إن كثيرا من المجتمعات يشعر أفرادها بأنهم خارجون عن «الحراك» لسيطرة بعض المنتفعين المتنفذين الذين لا يريدون أن يدخل معهم أحد في عجلة هذا الحراك وإذا ما أرادت المجتمعات الثبات الاجتماعي عليها إيجاد قضاء مستقل عادل ورؤية واضحة في المجتمع الذي عادة ما يكونه النخب والمصلحون.
ونفى ابن تنباك أن تكون موسوعة القيم ومكارم الأخلاق العربية الصادرة بـ52 كتابا والتي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز وتكفل بتمويلها وإنجازها قامت لهدف ربحي كما نفى أنها لم تلق رواجا حيث تعد مطلبا في الجامعات والدارسين والباحثين، وأضاف أن هذا العمل الذي شارك فيه نخبة من أساتذة الجامعات والأكاديميين مكتبة كاملة لا يستغني عنها الطالب والعالم والأديب وهي مكتبة لكل بيت ولكل قارئ على قدر حاجته، وقد أريد لها أن تلبي حاجة كل مهتم بالثقافة وتراعي قيمة وقته فلم تشغله بالتحليلات والاستطرادات بقدر ما انصبت المعلومة على الهدف بطريقة مباشرة لا يملها القارئ ولا تثقله بالتفريعات الجانبية بل تترك له المتابعة والاستمتاع بالمقروء لفظاً ومعنى. واختتم ابن تنباك حديثه لـ»الثقافية» إن مقاومة التغيير جعلت الغالبية تعارض فكره في موضوعه الجدلي «وأد البنات» عند العرب الذي يؤكد فيه عدم صدق تلك الروايات أو تفسير ما ورد فيها لأن الموضوع ترسخ بأذهانهم وعاشوا عليه وسمعوا ممن نقل التراث لهم على رأي واحد فلم يستطيعوا استيعاب خلافه غير أن ذلك الخلاف دار بشكل ثقافي بعيد عن المواقف الشخصية.