أثناء إعدادي لملاحق كتابي المترجم «قبل سقوط الشاه... بقليل» والذي صدر مؤخراً عن دار مدارك للنشر في مارس 2014، عثرت على وثيقة مهمة رفعت عنها السرية Declassified مؤخراً، وهي محضر لاجتماع بين كيسنجر وغولدا مائير خلال مفاوضات فك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية عام 1974. ويسعدني أن ينشر صحافياً الآن، ليستفيد منه الكتاب والباحثون العرب المهتمون بالصراع العربي-الإسرائيلي وأسرار السياسة العربية ولكي يستمتع به القراء الشغوفين بالوثائق التاريخية النادرة. وقد وضعت بعض الهوامش للتعليق على بعض ما ورد في المحضر. ونظراً لأن بطل المحضر هو الثعلب الدكتور هنري كيسنجر، دعوني أقدم سيرة موجزة لهذا المخادع. وجميع (الأقواس) للمترجم. ويحتوي الكتاب على وثائق نادرة أخرى.
هنري كيسنجر: سيرة موجزة
هنري ألفريد كيسنجر: سياسي أمريكي ولد عام 1923 في ألمانيا، وهاجر مع عائلته من ألمانيا النازية إلى الولايات المتحدة عام 1938 هرباً من العنصرية النازية المقيتة ضد اليهود. حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد في الأعوام: 1950، 1952، 1954 على التوالي. وكان عنوان أطروحته في الدكتوراه: «السلام والشرعية والتوازن: دراسة لحنكة كاسلرا ومترنيخ السياسية». اشتهر كيسنجر كوزير للخارجية في إدارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. ولا يزال رؤساء الولايات المتحدة وغيرهم من زعماء العالم يطلبون مشورته في أمور العلاقات الدولية، رغم أنه تخطى التسعين من العمر. يعد من أهم منظري الواقعية السياسية (Realpolitik) في القرن العشرين، كما تجلت في مساعيه الناجحة لتحقيق الانفراج في علاقات بلاده مع الاتحاد السوفياتي، والصين الشعبية، والتفاوض على اتفاقات باريس للسلام، لإنهاء التورط الأميركي في حرب فيتنام، وهي المهمة التي حصل بسببها على جائزة نوبل للسلام عام 1973 بالاشتراك مع السياسي الفيتنامي لي دوك ثو. أصدر ستة عشر كتاباً، منها ثلاثة كتب كمذكرات، والبقية في السياسة والعلاقات الدولية. وخلال الفترة الزمنية التي شملتها هذه الدراسة، شغل كيسنجر منصبين في الوقت نفسه: وزيراً للخارجية ومساعداً لرئيس شؤون الأمن القومي؛ (أي مستشار الأمن القومي). أصدر كتب مذكراته كالتالي: «سنوات البيت الأبيض» (1979)، و«سنوات الاضطراب» (1982)، و«سنوات التجديد» (1999). انتهى التقديم والآن ها هو المحضر:
وثيقة:
اجتماع بين كيسنجر وغولدا مائير:
(السادات سيحتل ليبيا)
محضر اجتماع(1)
المشاركون: غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل؛ سيمحا دينيتز، السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة ؛ الدكتور هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي ؛ بيتر دبليو رودمان، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي.
الوقت والتاريخ: الجمعة 1 مارس 1974 عند الساعة 12:00 ظهراً.
المكان: بيت الضيافة، هرزيليا(2)
كيسنجر: هل رأيتِ آخر إذلال للروس على يد المصريين؟ لقد نجحنا في تأسيس علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر، وأصر السادات على رفع العلم الأمريكي على مقر السفارة في وجودي.
مائير: (تضحك) على شرف وصول غروميكو؟!!
كيسنجر: نعم، لقد صنعوا من استئناف العلاقات حدثاً مهماً. كانت وزارة الخارجية (المصرية) بأكملها هناك. أدلى فهمي بخطاب حماسي، وسيعرض على التلفزيون المصري بعد عرض وصول غروميكو!! (يتهكم).
مائير: أدلى السادات بتصريح بأنه من المفيد (للسلام) أن تزورَ الشرق الأوسط، وأشار إلى أربع مراحل لفك الاشتباك على الجبهة المصرية، وقال إنه ينبغي أن يحدث نفس الشيء في سوريا.
وكانت الإشارة الوحيدة لحضور شخص آخر هي أن (وزير الخارجية السوفياتي) غروميكو قادم، ولكنه قال: إن (المستشار الألماني فيلي) برانت والرئيس (نيكسون) سيزوران مصر عام 1974.
كيسنجر: لمعلوماتك، إنه (نيكسون) يفكر في أن تكون الزيارة في مايو.
مائير: ليوافق عيد ميلادي؟
كيسنجر: متى عيد ميلادك؟
مائير: 3 مايو.
كيسنجر: عيدي في 27 مايو.
مائير: (تضحك) ولكن أنا في القرن التاسع عشر.(3)
كيسنجر: إنه القرن الذي أحمل شغفاً خاصاً به. وبالمناسبة، لقد قال نيكسون إنه لن يأتي إلى الشرق الأوسط بدون زيارة إسرائيل.
مائير: (تضحك) لم أتصور مطلقاً أنني سأواصل العمل حتى هذا العمر (76 عاما). أنا مستعدة للتنازل عن منصبي لأي شخص يريده.
السفير دينيتز: (يقرأ خبراً من برقية) هذا هو البيان الذي أدلى به السادات للصحافة بعد أن غادر الدكتور كيسنجر القاهرة. لقد قال: «أشكر الدكتور كيسنجر على جهوده، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها موقف جديد يعبر عن النوايا الحسنة وتسهيل استئناف العلاقات، وهو موقف يدل على نية الولايات المتحدة لتحقيق حل. ثم تحدث السادات عن فك الاشتباك على الجبهة السورية، وقال إنها هدف رئيس لسوريا في هذا الصدد، ونشارك فيه، لأننا جبهة واحدة وقمنا بحملة واحدة».
كيسنجر: هذا مفيد لكِ.
دينيتز: (يواصل القراءة) «وشاركنا كطرف مساعد». إنه يعتقد أن فك الاشتباك يمكن تحقيقه في سوريا كما جرى في مصر إذا مر عبر أربع مراحل تحضيرية، مثل اتفاقية النقاط الست، ومحادثات الكيلومتر 101(4)، وجنيف ومحادثات أسوان.
مائير: آمل أن يجد غروميكو من يحتضنه ويُقَبِلَهُ عند وصوله إلى مصر.
كيسنجر: كلا، لن يجد!
دينيتز: حضنوه في سوريا - وزير خارجيتهم حضنه وقَبَّلَهُ في المطار.
كيسنجر: (بتهكم) نحن لم نصل إلى هذه النقطة مع الروس. طلب السادات مني أن أتوقف في مصر وأنا في طريقي للخروج من المنطقة؛ أي فور مغادرة غروميكو للقاهرة، لكي يوضح للعالم الفرق في المعاملة المصرية بين كيسنجر وغروميكو.
مائير: أووه مسكين غروميكو. لقد قال خروتشوف ذات مرة للصحافة: «تسألون عن كفاءة وزير خارجيتنا غروميكو؟! حسناً، سأخبركم: لو طلبت منه أن ينزل سرواله ويجلس على قطعة من الجليد، فسوف يفعل ذلك فوراً وبدون تردد».
كيسنجر: كما أنهم يستخدمون غروميكو في روسيا كمثال للرجل المستقيم (straight؛ أي غير الشاذ).
مائير: دعوت يوم أمس لاجتماع لمجلس الوزراء لمجرد أن أقول لهم عن وصول قائمة الأسرى. ولكن لدي السلطة للموافقة بدون استشارة الحكومة. وقد طلبوا مني شكرك وتقديرك على إعطائنا قائمة الأسرى.
كيسنجر: وبخصوص الأسرى مزراحي وليفي؛ فقد أعطى السادات أوامر أمامي للإفراج عنهما.
يمكنكِ إطلاق سراح الـ 73، ولكن يمكنك الاحتفاظ بالروسي.
دينيتز: اتفقنا على الـ 73.
كيسنجر: بصراحة، أعتقد أن السادات كان على استعداد للقيام بذلك دون هذه المقايضة، ولكن أنا عرضت الـ 73، ولكن ليس ذلك الروسي.
مائير: ربما يمكننا استخدامه للحصول على بعض المنفيين في سيبيريا.
كيسنجر: نعم، لذلك قلت إنكم تريدون أن يبقي الروسي. وقال: لا بأس. وقالوا: إن مزراحي من أصل مصري. ويقولون: يمكنكم الإعلان اليوم أنه تمت إعادتهم.
مائير: متى سيأتي؟
كيسنجر: مسألة وقت، روتين.
مائير: نفضل أن نعلن عن وصوله، عندما يكون هنا بالفعل.
كيسنجر: لا بأس. أعتقد خلال الـ 48 ساعة القادمة. بالمناسبة، يقول السادات: إن مخابراتكم اتصلت بالمخابرات المصرية في المغرب للاجتماع والتنسيق معاً.
مائير: لا أعرف.
كيسنجر: أكد لي إنه حدث. وقال: إنكم عرضتم اقتراحاً للتنسيق من خلال الحسن. وقد أجاب بأنه لا يمانع شريطة أن يُفعل ذلك أيضا مع الفلسطينيين. لكن ذلك كان فقط، لأنه لا يريد أن يفعل ذلك في المغرب. وقال: إنه يريدني أن أقول لكم إنه مهتم بالتواصل والتنسيق شريطة أن يتم ذلك من خلالي.
وطلب مني أن أقول لكِ هذا.
مائير: لا أعرف عن هذا، لأنني لم أر سفيكا رئيس مخابراتنا هذا الأسبوع.
كيسنجر: وقال أيضاً إن أي اتصالات تريدين - سياسية أو اقتصادية أو استخباراتية - فهو موافق شريطة أن تفعلي ذلك من خلالي.
مائير: جيد.
كيسنجر: وقال لي إنه سَرَّحَ حتى الآن 200.000 جندي؛ (أي أنهى تعبئتهم) وكل وسائل النقل المساندة لهم. قلتِ لي: أنكِ ستسرحين نصف الاحتياطي الخاص بك.
دينيتز: قلت لدادو (5) (إليعازر)، إننا سنحدد رقما أكثر دقة.
كيسنجر: إذا كُنتَ تستطيع أن تفعل ذلك الآن، فيمكنني أن أرسله له كما لو كان منكِ.
دينيتز: جيد.
مائير: كيف يرى السادات إمكانية الاتصالات السياسية المباشرة بيننا؟
كيسنجر: سأكون هنا مرة أخرى في غضون 4-6 أسابيع، يمكننا مناقشة الأمر عندها.
دينيتز: ربما يمكن ترتيب لقاء بين رئيسة الوزراء والسادات، في وجودكم.
كيسنجر: من وجهة نظرنا، سوف نرحب باللقاء.
................................................. يتبع
** ** **
هوامش المترجم:
(1) هذا الاجتماع لا علاقة له بموضوع الكتاب، ولكننا عثرنا عليه أثناء عملية تحقيق الكتاب، وقررنا إضافته كملحق نظراً لأنه يشكل وثيقة تاريخية مهمة تكشف بعض أسرار السياسة العربية وبعض خفايا مفاوضات فك الاشتباك بعد حرب أكتوبر 1973. (العيسى)
(2) مدينة ساحلية صغيرة شمال تل أبيب توجد فيها معظم السفارات. (العيسى).
(3) ولدت مائير عام 1898. (العيسى).
(4) مصطلح «الكيلومتر 101» يعبر عن قانون يقيد حرية التنقل للمجرمين والمعتقلين السياسيين في الاتحاد السوفياتي؛ فخلال معظم الحقبة السوفياتية، وخاصة في عهد ستالين كان المجرمون والأشخاص الآخرين غير المرغوب فيهم، بما في ذلك السجناء السياسيين العائدين من معسكرات العمل الشاق والسخرة السوفييتية في سيبريا (التي كانت تديرها هيئة حكومية اسمها غولاغ)، يُبعدون بعد عودتهم لأكثر من 101 كم (63 ميلا) من المراكز الحضرية، مثل موسكو. وكان المقصود - جزئياً – إبعادهم عن الأجانب، الذين عادة ما تحدد تحركاتهم في مناطق في نطاق 25 كم (16 ميلا) من مراكز المدن. ولكن في روسيا الحديثة، تم إلغاء العمل بهذا النظام اللا إنساني. (العيسى).
(5) ديفيد (دادو) إليعازر (1925-1976) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي من 1972 إلى 1974. أجبر على الاستقالة بعد انتصار العرب في حرب 6 أكتوبر عام 1973. توفي إثر أزمة قلبية لتأثره من شدة التوبيخ لهزيمة إسرائيل. (العيسى).