تُشكلُ الكتابات والدراسات التي يتم نشرها بين حين وحين في الصحف والمجلات السائرة، الكتابات والدراسات اللغوية.. والعلمية تشكل رافداً جيداً في حيثيات بروز العلم.. واللغة، ولاسيما الذين يكتبون في هذا.. وذاك لهم باعُ لا بأس في الحرص على خدمة اللغة/ والعلم/ حسب: الجهد.. والطاقة، وكلنا نلمس ولمسنا هذا الجهد وتلك الطاقة خاصة أولئك الذين يداومون الكتابة تترا،
ولستُ أظن أن أحداً من هؤلاء.. وهؤلاء يريد قتل الفراغ ليكتب مقاله الأسبوعي أو مقاله الدوري.. كلا لست أظن ذلك لكنني «والرائد لا يكذب قومه» ألمس في هذا كله نحواً مما يلي:-
1. تكرار الطرح بأسلوبٍ مختلف جداً بين مقال ومقالٍ آخر.
2. اختصار ما يتم عرضه من كتابة عن: كتاب.. أو بحث.. أو رسالة علمية.
وهذا الاختصارمخل دون ريب في الأداء ووجهة النظر لأن الاختصار مشكلة كبيرة ولاسيما إذا كان القصد المجاملة لصاحب الكتاب.. أو الرسالة.
3. هناك منذ عشرين عاماً وفي السنوات العشر الماضية/1426/ حدة في الكتابة وجرأة في الكتابة.
4. مما يطرح.. اليوم.. عاينت شيئا جديداً لم يكن من قبل، وهذا يكون أن بعض الكتابات.. الأسبوعية.. خاصة.. وجدت فيها إلزاماً للطرف الآخر بما يراه الكاتب من فكرة.. أو رأي.. بل قد يجنح بعضهم يجنح ويميل إلى قوة رأيه وأنه الصواب، وهذه معضلة لا بأس إن قلت إنها: ذات عور نفسي.. وعور فكري.. وأنها تشكل خللاً في مسار ما يتناوله الكاتب ولاسيما من يكتبون في حقائق: التوحيد والآراء العلمية عند المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والسلفية المتعددة.
وما كتبه ابن تيمية.. وابن قيم الجوزية.. والمازري.. وما دونه أبو الحسن الأشعري، وما طرحه الشاطبي.. أو كتبه الآمدي.
وكذا ما ألفه: السيرافي.. وابن جني أو: ابن هشام.. أو ابن عقيل.
ولهذا لا تجد من يناقشهم بل إذا تم ذلك (أعادها جذعة) وبطرح غاية في صحة ما ذهب إليه مُدللاً ومعللاً على ذهابه إلى ما ذهب إليه دون جعل خط رجعة.
وهذه مشكلة حتى في الرسائل العلمية التي أناقش بعضها.
وخلل الحال.. هنا.. أن بعض المدرسين خاصة في الجامعات الذين يكتبون «اليوم» يظهرون متنورين هم يظنون ذلك بما يطرح من جرأة وتكرار بل: وإلزام بماجاء به.
هذا كله وجدته وقرأته وعرض علي بعضه فكنت أتألم لهذا ولاسيما ما يتم تناوله في مقال ما يحتاج إلى كتاب مُستقل بما يوازي (200صفحة) إن لم أكن باخساً، أرأيتم كيف؟.
أرأيتم ما يتم؟
5- لمست كثيراً ولعلها فراسة تخطئ وتصيب لمست أن بعضاً مما يكتب فيه ضيق نفس وسرعة، وإن شئت قُل: عجلة، والسبب في هذا هو: إرادة الوصول إلى ما يرمي إليه وعرضه الذي يريده أفليس هذا مشكلة؟
أليس هذا فيه إرغام للإرادة إرادة تعبئة الفراغ.
هذا كله يُسبب تدهوراً في عجلة العلم ويُسبب ضعفاً في مسار: اللغة، بل قد يلوم المرء نفسه بعد دهر أنه كتب في وادٍ وما يريده الحق في واد آخر.
هذا يُعطل حقيقة العقل المتجدد.. العقل الباذل.. العقل الذي يأتي بجديد بطول نفس ومراوحة بين قوة التأمل وصناعة التاريخ بجديد حي صادق متين.
هذا يولد طرح العقل المنتج ليبرز القلب فقط وتسمو العاطفة فقط.
هذا جزماً قد يساهم في ضعف معلومات المتلقي.. أو قد يعطيه فهماً خاصاً ورأياً خاصاً ونظرية خاصة.
هذا قد يجعل المتلقي بعد انطلاقته بنفسه ليقرأ ويحلل ويتدبر يندب وقته ذلك الوقت الذي لم يستطع فيه إلا أن يقرأ ما يراه له غيره.
هذا كله.. الحق يُقال.. ما جعل كثيراً من كبار العلماء على تجرم القرون الطوال يحذرون الإلزام والمناكفة ولي العقل الآخر حتى يرى ما يراه له غيره.
وهذا ما جعل أبا الحسن (1) يتجدد ويُجدد وهو ما صنعه: ابن رجب (2) والماوردي وابن عابدين.. والكرماني، وهو ما وضعه وقرره «مسلم» في المقدمة (3) وبينه النواوي وذلكم كذلك هو ما عوَّل عليه ابن تفردي بردى.. وسحنون وعمرون بن عثمان أعني: سيبويه، وهو ما عرَّض به السيرافي (4) وما ترجمه الذهبي مطولاً في: الكاشف، وتاريخ الإسلام المطول، هذه كل الحال الحالة في هذا الحين.
ولا مناص من القول: إن الغوص في داخل خبايا النفس ومصادقتها ومحاكمة ما يتم طرحه قبل نشره وذيوعه (5)، هذا يولد أحياناً صدق إبداء الآراء وتحريرها من العاطفة وحب الذات، بل إن هذا (6) يجر العاقل الفطن إلى معاودة قناعاته أو غير قناعاته إذا كان يكتب ليرضي نفسه فيما يهدف وما يطلبه في هذه الحياة، وأجزم.. ولا ألزم أن العاقل الحر يدرك أن قراءً كثرتهم عامة من العقلاء المدركين جيداً الفطنين جداً قد يستغرق كثير ضاحكاً:
كيف هذا..؟
أين وجهات النظر؟
أين قوة المحاكمة، للآراء؟
أين العمق.. وسعة النظر؟
أين بذل الجهد والتوسع العقلي المتين؟
أين الكتابة الحرة لتخلد عبر العهود؟
هذه الحال والحالة،
وهذه هي الأسئلة بعضها لا كلها خاصة وقد قال الله تعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}..{وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} وهو ما نبهت سورة «يونس» إليه وذكره ابن العربي في «الأحكام».
** ** **
الهامش:
(1) في كتابه:(مقالات الإسلاميين).
(2) في شرحه صحيح البخاري (كتاب: القضاء).
(3) حتى ص12 بشرح النواوي.
(4) شرحه لكتاب «سيبويه» الطبعة المشرقية.
(5) (شمس الإسلام تسطع على العرب) لهونكة.
(6) (يسألونك) للكاتب/ ج3/ من: 4 حتى ص110.