أجمعت الصحافة المصرية على فشل مهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام، ويعزون سبب الفشل إلى الإرهاب. إذ يقول المدير الجديد للمهرجان «الناقد سمير فريد» أنه تلقى تهديدا من قوى سلفية وإرهابية ما دعاه الاستعانة بالأمن الذين شددوا الحراسات والتفتيش عبر الأجهزة الإلكترونية الكاشفة وتفتيش الحقائب والملابس ما أثار الاستياء والذعر في نفوس المدعوين ونجوم السينما من بينهم.
كما أجمعت الصحف المصرية على فشل الجانب التنظيمي حيث تقام ندوات في نواد متباعدة عن مركز المهرجان ما جعل الذهاب والعودة لمركز المهرجان أمراً متعذرا وشبه مستحيل، ولوحظ عدم إقبال الجمهور لمشاهدة الأفلام، لأن إدارة المهرجان قد اتخذت من صالة دار الأوبرا مقراً للمهرجان ولأن المهرجانات تدعم بندوات عن الأفلام ولعدم توفر مقرات قريبة من دار الأوبرا ولأن بعض الندوات تقام في آن واحد وهو خطأ إداري تقع فيه الكثير من المهرجانات بسبب تعدد وكثرة وتنوع الندوات فإن المسافات تباعدت بين صالة العرض وصالات الندوات والصالات الصغيرة. في المهرجانات المنظمة عالميا تتخذ لنفسها مقرا مركزيا واحدا فيه مجمع صالات فتعرض الأفلام وتقيم الندوات، وهذا ما نعني به بناء القاعدة المادية للإنتاج. فأية أفلام شاركت فيها الدولة في مهرجانها الوطني؟
بعد الربيع المصري الذي أطاح بنظام مبارك انعقدت ندوة سينمائية في مدينة «مالمو» في السويد عن السينما الجديدة في مصر بعد االربيع. وعرض فيلم وثائقي عن التغيير. وحقيقة الأمر أن الفيلم الوثائقي هو عبارة عن تجميع لقطات كانت تبثها التلفزة العربية وغير العربية إبان حراك الربيع العربي.
كنت حاضرا تلك الندوة التي ضمت عددا من السينمائيين المصريين وتوجهت إليهم بالسؤال فيما إذا كانوا يعتقدون أن السينما المصرية ستكون بحال أحسن بعد الربيع المصري. وفيما إذا كان المنتج المصري يقدم المال ويغامر بإنتاج ولو فيلم مصري واحد في انعدام الأمن وتدهور اقتصاد الفرد واقتصاد الدولة وغلق صالات السينما، ويتوقف دعم الخليج للمخرجين المصريين حيث تسود الفوضى الكثير من المشاريع الإنتاجية ومنها السينمائية.
وهذا ما حصل بالفعل حيث تدنى حجم الإنتاج السينمائي من مائة وعشرين فيلما في العام إلى فيلم واحد أو فيلمين في أحسن الأحوال، حيث يغيب المنتج، وتعزف الدولة وقد عزفت منذ زمن عن الإنتاج السينمائي. فكيف ينعقد مهرجان سينمائي والبلد لم ينتج أفلاما للمهرجان؟
مهما تكن الأسباب والإرهاب في مقدمتها كعدو للثقافة والتطور فإن الثقافة العربية والثقافة السينمائية في مصر وفي المنطقة العربية هي في تدهور مستمر. ليس تدهورا في كم الإنتاج بل في نوعه! وبالتأكيد فإن غياب الاستقرار وانعدام الأمن يلعبان دورا سلبيا في تحقيق ثقافة متوازنة وفي إقامة مهرجانات سينمائية تسهم في إنعاش الجو الثقافي.
الناقد سمير فريد مدير المهرجان له خبرة في تنظيم المهرجانات، لكنه عجز عن استخدامها في تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي، فالإرهاب يزعزع أركان صالة العرض، وهو حتى ولو تمثل في رسالة بريدية أو ألكترونية فهو يخلق هاجسا من الخوف يظل يكبر في اليقظة والمنام ويدعو مدير المهرجان كي يستعين برجال الأمن، وفي مثل هذه الحالة يفضل الكثيرون من نجوم السينما ومن عشاق الأفلام الركون إلى المنزل والعزوف عن المغامرة في الذهاب نحو صالة عرض مهددة بالانفجار. وهذا الخوف هو الذي حدا بمنتجي الأفلام إلى عدم المغامرة بأموالهم فرأس المال «جبان» كما يعبر عنه رجال الاقتصاد.
كيف لمهرجان أن ينعقد وبلاد المهرجان ليس فيها إنتاج سينمائي؟
كيف لمهرجان سينمائي أن ينعقد وصالات السينما تغلق أبوابها؟
كيف لمهرجان سينمائي ان ينعقد وعيون الحاضرين ونجوم سينما تنتقل بين أروقة وزوايا دار الأوبرا حيث تعرض الأفلام والعيون ترنو نحو الجدران ولا ترنو نحو الشاشة السينمائية من شدة الخوف؟!