في الخامس عشر من الشهر الميلادي الجاري وافقت الذكرى الخامسة والثلاثين، لجريدة أنوال المغربية، حيث تم صدور العدد الأول في الخامس عشر من نوفمبر من عام 1979م، وأوقفت عام 1996م، وهي جريدة حزبية ماركسية لينية، ومقرها المغرب، وتحديدًا من تطوان، تهتم بالسياسة المغربية، وتدعو إلى الثورة المغربية الشعبية. وللكاتب محمد أدامغار مقالة في أنوال بريس الالكترونية بعنوان» أنوال... ذكرى جديدة»، يقول:» فكانت أنوال قاطرة لمشروع نهضوي يتكامل فيه الثقافي والسياسي، حيث كان ماركس حاضرًا إلى جانب ياسين الحافظ وعبد الله العروي». نشر بتاريخ (الخميس 14 نوفمبر 2013).
كانت الجريدة امتدادًا لحركة «23 مارس السرية»، وهذه الحركة تروم التوجه الماركسي اللينيني، وقد تابعت تغطية اعتقالات أعضاء الاتحاد الاشتراكي- في حينها-، وكان لها ملحق ثقافي خاص بها، وكان مشرف الملحق هو سعيد يقطين، وكان يقطين مهتمًّا باجتذاب الأقلام الماركسية التي كان شعارها منذ العدد الأول للجريدة «لا يكفي أن تكون قضيتنا عادلة».
كان رشيد جبوج وعبد الصمد بالكبير يؤازران يقطين في ذلك الملحق، ولكن الحدث الأبرز الذي أدى إلى منعها هو ما كان من اعتقال نوبير الأموي، حيث كان متمثلاً للمذهب الماركسي يطبقه بحذافيره، حيث ناضل من أجل المعتقلين فأصبح واحدًا منهم، ثم دفاعه عن العمال الكادحين في ملحمة عمال منجم جبل عوام، حسب النواميس الماركسية!
إن شغول يقطين رئاسة تحرير الملحق الثقافي لأنوال كفيل بأن يعنيه التوجه الماركسي، فقد نشأ على هذا المذهب، والحلم الثوري لا يزال يراوده، وأكبر الظن أن الناقدين الماركسيين المصريين محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس قد كان لهما تأثير كبير في كتابات يقطين، إذ كانا من أشهر عتاة الماركسية في الوطن العربي، كما أن اللبناني رئيف خوري قد كان على نهجهما، إلا أن الأخير لم يشتغل بالرواية، فقد كان يطوف مع عمر بن أبي ربيعة وامرئ القيس وديك الجن، وله كتاب «الثورة الروسية قصة مولد حضارة جديدة»، 1948م.
إن لوي (وليس لي) أعناق النصوص في ذلك الملحق كان السمة البارزة، ولما أوقفت أنوال راح كثير من كتّابها إلى صحيفة القدس العربي، فهي المنبر الثوري الأكثر شهرة في العالم العربي، ولعل الدكتور يقطين قد راق له أن يرد فيها على كاتب هذه السطور تحت عنوان «التدليس الثقافي»، فأنا مدلس من باب الجهل وليس من باب الكذب على حد تعبيره.
إن القارئ- أي قارئ- له رأي فيما قرأ، والمظنون عدم تجهيله، ولعل نظرية التلقي تعيب مَن فهم غير هذا، وكما أن من أصول البحث العلمي الحديث عدم القطعية وإنما الظن، فقد مضت سنة الأولين فيمن يقول: والحق أن، لا جرم أن... ذلك لأن العلوم في تطور، فقد يأتي من ينقض الرأي الذي نراه اليوم من المسلمات، ومن العجيب في هذا أن يعيب عبد المتعال الصعيدي على الدكتور طه حسين إكثاره من قوله: أكبر الظن. أغلب الظن. أعتقد أن...، فالصعيدي يرى ألا فائدة من قراءة من كان كلامه كله يطفح بالظنون!!
تبرز هنا مشكلة عويصة، وهي أن القارئ قد يحتفي بالناقد أكثر من المؤلف، بمعنى أن هناك كتباً حول الكتب المؤلفة أكثر من الكتب ذاتها، فمونتين يقول: «إن قضية تفسير التفسيرات أصبحت تشغلنا أكثر من تفسير الأشياء ذاتها». أما جوليان غراك فيقول: «ماذا نقول لهؤلاء الذين إذا اعتقدوا بأنهم يمتلكون مفتاحًا لا يرتاحون إلا إذا شكلوا عملك في صورة قفل؟!». ويشبه مونتيسكيو النقاد بقوله إنهم: «جنرالات فاشلين عجزوا عن الاستيلاء على بلد ما فلوثوا مياهه».