انتشرت رائحة الخلطة السرية التي لا يتقنها ولا يعرف مكوناتها سوى والدته الحبيبة،صاحت به: يا بني ألم تنته بعد من هذه الأوراق تعال لتحضر لي بعض لوازم العشاء.
تسارعت خطواته إلى أن اصطدمت بباب المطبخ وفتحه وهو يصرخ: شبيك لبيك أمي الحبيبة الرائحة جعلتني أنجز وأختم بحثي الذي أتعبني لأيام مضت.
قبل رأسها وتناول ورقة قد دونت ما تحتاجه بوسطها وانطلق يدندن ويترنح كمن انطلق من قفص، تصاعدت أبخرت الطعام فهو عبارة عن لحم الدجاج المقلقل بالفلفل والخضراوات وتوابل أخرى هذه الخلطة يحبها أبناؤها على العشاء عندما تعدها لهم كشطائر محشوة بالخلطة الشهية.
كرست والدته له ولأخوته كل حياتها فليس لهم هم بعد وفاة والدهم غير رعايتهم وخدمتهم ليكونوا ناجحين كما تطمح وبالفعل فقد استطاعت أن تكون لهم الأم والأب معاً بما تعده من أطعمة شهية يتم إيصالها للبيوت والمدارس مما جعلها علامة مميزة بين المتمرسات بالمهنة القديمات منهن والحديثات، فعندما يقال أم بندر تعني الثقة المطلقة بما تقدمه شكلاً ومذاقاً.
بعد معاناة لم يعد أبناؤها يتضايقون كما كانوا بالبدء وهو يفتحون الباب للزبائن ومعهم صناديق الذبائح لتبدع أم بندر كعادتها في التفنن بطبخها وتقديم أنواع السلطات والمقبلات والمحاشي وغيرها بوقت محدد.
أدرك أولئك الأطفال الذين باتوا شبابا بعد ذلك بأنه مصدر رزق لهم أدخلهم أحسن المدارس وألبسهم أحسن الملابس فأخذوا يساعدونها بما يستطيعون وهم يفتخرون بذلك ولا ينسون تضحياتها في سبيل إسعادهم. تذكرت ذلك فحمدت الله وهي تطلق تنهيدة معاناة رسمتها بابتسامة رضى.
قطع عليها طريق أفكارها وذكرياتها ابنها الذي جاء يجري فاستقبلته بالترحاب وقبل أن يتكلم أعطته الطبق الأنيق المليء بالشطائر وقالت على مائدة الطعام قل ما تشاء.
فابتلع ريقه ولكن يا أمي ألا تحتاجين ورق لف الشطائر.
قهقهت ضاحكة:كلك بركة يا ولدي الأوراق التي تركتها هنا على الطاولة لم أستطع رميها فلففت الشطائر بالجزء الآخر منها.. المسألة توفير يا ولدي..
نظر إليها بذهول وبدمعة توشك أن تقفز من سور عينيه المحتقنة وهو يتأمل الزيوت ترسم الخرائط بعشوائية حول كتاباته وشفتيه تردد مرتجفة: إنه بحثي تعبي جهدي نسيته هنا قبل أن أوصله للمطبعة.