يروي الكتاب الصيني المشهور «فن الكتابة» حكاية قديمة لشاب يعمل لسيده كان يريد أن يتعلم مهارة يكسب منها قوت يومه. قام هذا السيد يعلمه كل الطرق التي يذبح فيها التنين ويسلخه، وبعد بذل جهد كبير والكثير من النفقات يعود الشاب إلى أبيه ويخبره بشموخ عن مهارته الجديدة، فيرد أبوه: عظيم. لكن لدي سؤال واحد: أين يمكنك أن تجد تنينا؟ والكتابة والإبداع عموما هو هذا التنين المفقود!
وعلى حسب كتاب «رسائل إلى روائي شاب» للكاتب الأمريكي الجنوبي « ماريو بارغاس يوسا» فإن الإبداع في رأيه « كيمياء معقدة، تتفاعل في دهاليز النفس المعتمة، مثل فن لا يمكن القبض عليه وتشريحه وقولبته، وبالتالي توريثه أو تعليمه لأحد. فالإبداع إلى جانب الاجتهاد والمتابعة والتحصيل العلمي تتكون من جملة عناصر شديدة التباين والالتباس والغموض من قبيل الموهبة أو الإلهام والميل الفطري، وكذلك الأحلام والأوهام والهواجس، الهموم، والآمال، والمخاوف. فضلا عن صوت خافت ينبعث من ركن قصي يقول حسب الشاعر الألماني ريلكه إذا كنت تظن انك قادر على العيش من دون كتابة فلا تكتب»!
وفي رسالة أخرى، في الكتاب الذي أنصح بشدة بقراءته، إلى صديقه الشاب يتحدث عن النجاح فيقول: «ستكتشف سريعا، إذا واظبت على الكتابة والنشر، أن الجوائز والاعتراف العام ومبيعات الكتب والسمعة الاجتماعية للكاتب، لها مسار تعسفي إلى أبعد الحدود، فهي تتجنب، بعناد أحيانا، من يستحقها بجدارة كبيرة، وتحاصر من يستحقها أقل وتثقل عليه. وهكذا يمكن من يعتقد أن النجاح والشهرة هما الحافز الجوهري لميوله الأدبية، أن يرى حلمه وإحباطه، لأنه يخلط بين الميل الأدبي والميل إلى بريق الشهرة والمنافع المادية التي يوفرها الأدب لبعض الكتاب _ وهم محدودون _ والأمران مختلفان».
وقبل النجاح هناك مسائل هامة في الكتابة وهى الأسلوب والتقنية وغيرها لا يستطيع الكاتب «يوسا» ولا غيره أن يختصروها في كلمات قليلة.
وبنفس هذه الكلمات القليلة واجهه أعظم روائي في العالم وهو الكاتب الكولومبي الشهير الراحل «غابرييل غارسيا ماركيز» - صاحب روايات «مئة عام من العزلة «و» الحب في زمن الكوليرا «وغيرها - عندما سألته أمه بإلحاح ذات يوم وقالت له: أخبرني ماذا سأقول لأبيك عندما يسألني عن دراستك في الجامعة. قال لها بثقة شاب طموح: قولي له إنني سأصبح كاتبا، وكاتبا مرموقا أيضا !