كيف تختار عنوانا لنصك؟
هل تجري موازنات؟
أيها أكثر جذبا؟ أيها أنسب؟
طرأت على ذهني هذه التساؤلات وأنا أتصفح بعض العناوين لبعض الأعمال الأدبية على اختلاف أنواعها، من شعر وقصة ورواية، هناك عناوين جميلة تتمنى أنها لك لأنها تحمل طاقتها الخلاقة وتجذبك، وهناك عناوين تثير عندك العجب من اختيارها، وجمال العنوان ليس بالضرورة أن ينسحب على العمل، بل إن بعض العناوين أعطت حجما أكبر للعمل، وبعضها ظلمت العمل، وقد يبدو للبعض أن المسألة بسيطة فهو مجرد عنوان، لكنه ليس كذلك بل هو مسألة شائكة جدا، خاصة إن كان النص لا يحمل عنوانه منذ البدء، فأنت تريده أن يحقق الجاذبية القرائية وهذه النقطة لاتحكمها ذائقة واحدة، وتريد في الوقت ذاته أن يحتوي على ما يدل على مضمون العمل وإلا فقد قيمته كعنوان ثم من المهم أن تحبه وأن ترتبط به كعنوان لنصك، وأحيانا يتحقق لك ذلك لكنك لا تحب العنوان ولا تأتلف معه وتظل تشعر أن النص ناقص ومبتور ولا يمكن أن تدفع به للطباعة مهما بدا لك مكتملا وجاهزا، أعرف كتابا أوقفهم العنوان حتى فقدوا الرغبة في نشر العمل، وفي نظري أن أسبابهم هنا معتبرة، فالعنوان عتبة النص الأولى وهو في النصوص القصيرة قد يحمل نصف النص ومفتاحه، العنوان وجه النص ولا يمكن أن تغامر بوجه لا يشبهك ولا ينتمي لنصك.
ولو نظرنا لتراثنا العربي لوجدنا أن العناوين التي اختاروها مختصرة في أغلبها، لكنها دالة على المحتوى، فكتاب (الأغاني) للأصفهاني يروي في الكتاب أخبار المغنين والقصائد المغناة عارضا من خلالها حكايات وقصصاً عديدة، تحدث فيها عن مئة أغنية كان الخليفة هارون الرشيد قد طلب من مغنيه الشهير إبراهيم الموصلي أن يختارها له وضم إليها أغاني أخرى غنيت للخليفة الواثق بالله وأصواتاً أخرى اختارها المؤلف بنفسه. وينطوي كل جزء على الأشعار التي لحنت وأخبار الشعراء الذين نظموها من الجاهلية إلى القرن التاسع الميلادي، كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه كذلك فقد عنوانه بهذا العنوان لأنه سمى أبواب الكتاب بأسماء الأحجار الكريمة كالزمردة والياقوتة والزبرجدة..الخ ، (البداية والنهاية) لابن كثير، (البيان والتبين) للجاحظ، بل أن بعضهم لا يسميه مثل الكتاب لسيبويه، فهو لم يعنون كتابه وكأن العنوان لم يكن يشغله بقدر ما شغله المحتوى وربما كما تقول الأخبار إن سيبويه مات شابا ولم يتمكن من استكمال هذه الشكليات التي كان معاصروه يحرصون عليها ومع ذلك فهو من أهم كتب النحو، فقد وصفه النحاة بـ(قرآن النحو) ويكفي أن تقول الكتاب ليعرف أنه كتاب سيبويه.
وقد نبرر ذلك الإتقان في اختيار العناوين لديهم أنها مصنفات أكثر منها كتبا إبداعية، فالمصنفات في الغالب أيسر في العنونة من الكتب التي تطرح نوعا أدبيا خاصا، لكنك لو تمعنت في الشعر مثلا، لن تجد شاعرا عربيا من تلك الحقبة عنون ديوانه، بل كان ينسب الديوان للشاعر مباشرة كديوان أبي تمام والمتنبي والبحتري، لم يسع واحدا منهم ليضع عنوانا لديوانه!
حتى على مستوى السرد العربي فأقدم ما وصل إلينا فن (المقامات) لم تعنون بغير اسم مؤلفها كمقامات بديع الزمان ومقامات الحريري، وحتى في طياتها كانت تسمى باسم المدن كالمقامة النيسابورية أو بموضوعها كالمقامة الوعظية، وكذلك الكتب الدينية كانت تسمى بأسماء أصحابها كصحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد وعلى ذلك قس، وحتى في الكتب الفلسفية نرى مقدمة ابن خلدون، منسوبة إليه دون عنوان شائك أو معقد فهل مسألة العنوان لم تكن مهمة لديهم بقدر ماكان يشغلهم المضمون!
ولماذا هي مهمة لدينا الآن؟ لماذا نجتهد كثيرا في اختيار العناوين ونشرك أصدقاءنا في ذلك ونجري ترشيحا وفرزا وندخل في دائرة كبيرة من التيه والحيرة ! وأحيانا يتعطل كتابك لأنك لم تجد عنوانا يرضي ذائقتك ويحقق ما تريد. بل إننا حتى على مستوى المقالات نحتار كثيرا في عنونة المقال وربما أخذ ذلك منك وقتا إضافيا كان من الممكن اختصاره ووضع جهده في مضمون المقال!
لذلك فقد اخترت عنوانا أراه دالا على المحتوى وكنت قد بيت النية على اختيار عنوان يربطنا ككتاب ننتمي لهذا الزمن بكتابنا العرب الأوائل، لكن يبدو أني استفدت من دروسهم جيدا وقررت أن لا أنشغل كثيرا بالعنوان، علينا جميعا أن نفعل ذلك.