Saturday 22/02/2014 Issue 429 السبت 22 ,ربيع الثاني 1435 العدد
22/02/2014

علي الماجد في رواية «الكوب الأخير»:

الرواية تميل لتقنيات العمل الروائي البوليسي

تسعى رواية علي الماجد «الكوب الأخير» في أولى صفحاتها إلى الاتكاء على الحكاية بوصفها محركا ومحرضا على التأمل والمتابعة لأدق التفاصيل اليومية لهؤلاء الشخوص، بل تَسَقُّطَ أخبارهم، واستنتاج الفكرة تلو الأخرى من أجل اكتمال المشهد السردي، حيث تداعت الحكاية على شفاه البطلتين أو الشخصيتين المحوريتين: وداد وسميرة ومن معهما من شخصيات معاضدة في بناء هذه المشاهد المعبرة.

فما سعى إليه الكاتب الماجد هنا هو أن يمد جسور الصلة وخيوط الوصل بينه وبين السرد الحكائي بغية أن تكتمل الفكرة التي قامت على مفاصلها الأحداث والرؤى والصور العفوية .. تلك التي تمتاح من الحكاية ـ كما أسلفنا ـ فلا يكل أو يمل الراوي من سرد أدق التفاصيل لا سيما في بداية الحوار أو الرواية حينما جرت محاورة طويلة بين وداد وسميرة كانت مليئة بالمشاهد والصور. فالمحصلة الفنية ونسبتها وعمقها كشفته هذه الأوراق الأولى حينما سردت المرأتان تفاصيل حياتهما ومعاناتهما مع البحث عن الذات والحياة والتداوي من جراحات الزمن الذي قد لا يرحم البعض.

فكرة الرواية تعتمد على فضاء متحرر يميل إلى الافتراض نظرا لأن الشخصيات تعيش أفقا عاليا ومتجردا من بعض صور الحياة المألوفة، حيث يشبع الكاتب صوره في هذه الرواية بما يريد أن يصل إليه من تناغم خطابي سيكون محصلة لبحث المرأة الشاق عن حياتها ووجودها من خلال ما ذكره من تفاصيل وأحداث يجد القارئ فيها متعة وتعاطفا يثير الشعور الإنساني الجميل، والحس المفضي إلى معرفة بالنهايات المحتملة لمن يسير في هذه الدروب الشاقة. يميل الكاتب إلى التصوير الدقيق، وسرد كل شاردة وواردة من الأحداث حول هذه الحكاية التي تعيش المرأتين تفاصيلها دون ملل أو كلل بغية الوصول إلى منجز إنساني يكشف حجم المأساة ويبحث قدر الإمكان عن حلول ممكنة.

الرواية تميل إلى الأسلوب الفني البوليسي الذي ظل لفترة من الزمن مسيطرا على المشهد السردي حتى عهد قريب، فالعمل هنا يرتب أوراق المفاجأة ويتحين فرص السرد المغرق في وصفياتهن بل أن التفاصيل الدقيقة تتوارد على ألسنة الشخوص على نحو مستهل القضية أو الكارثة التي وقع فيها الرفاق حيث وجد «توفيق» ميتاً، وهو صاحب القصر الذي سهر فيه الجميع ليل البارحة، إلا أنهم استيقظوا على هذه الفاجعة التي يبدو أنها فوق تصور الفتيات في هذا الصباح الذي رسم الكاتب الماجد تفاصيله بشكل متقن ومباشر دون قيود أو ابتسار، إنما هي لغة تساوقت مع الأحداث بشكل رشيق ومقبول. وبما أن هذه الرواية تميل إلى العمل الفني البوليسي ـ كما أسلفنا ـ فإنها تعتمد على الحوار المباشر والمعلومات الدقيقة والحوارات المتفاوتة ذات المستويات المختلفة بين الشخوص وبين من يحرك محاور القصة على نحو رجال الشرطة والمحققين في جريمة موت «توفيق».

تتواتر الأحداث في هذه الرواية وتتشكل وفق رؤية الراوي، وحدسياته، وقراءاته المتكررة للوجوه والتعابير حتى أنه بات ولساعات يداوم على التقاط كل التفاصيل اليومية ويدونها بطريقة تشبه ما يفعله كتاب القضية والمحققين في غموض موت «توفيق» الذي جعله محورا للحديث بين الشخصيات، وبين من يفد إلى مسرح الجريمة «القصر» حيث لا تزال التفاصيل تتواتر عن أسرار وغموض يحيط بهذا المشهد ولا بد للراوي أن يستدرك بعض المعاني لكي لا يتحول هذا العمل الفني إلى مجرد تحقيق مفصل في جريمة قتل، إنما أراد له أن يكون مناسبة لصهر الأفكار ولتعلم دروس جديدة يحتاجها رفاق المتوفى «توفيق» لا سيما الفتيات اللائي جئن إلى هذه المشهد غير المتوقع والمفاجئ بل المعفر بالموت والفاجعة.

تتهادى تفاصيل الرواية إلى حافة النهاية وهي تحشد مزيدا من الأحداث، ويكتشف الراوي أن الأبطال أو الشخوص في هذه الرواية لديهم ما يقولونهن أو يريدون أن يتفهوا به، على نحو المقابلات التي كان يجريها المحقق «ماجد» مع كل شخص له علاقة بتوفيق، إذ لا يتردد الواحد منهم إلا أن يعطي ما لديه من صور ومشاهد تؤكد على أن الشخصية المحورية في العمل ـ رغم موتها ـ فإنها تظل تجتذب المحققين إلى مزيد من كشف الصور والمشاهد والحكايات التي تستحق المتابعة حتى أن القارئ يتمنى أن يعرف من الذي قام بهذه الفعلة؟ وهل هي مجرد وفاة طبيعية؟ أم تراها حادث مدبر من احد رفاق السهرة «صبحي» الطبيب المزيف في تلك الليلة التي سبقت يوم موته.

** ** **

إشارة:

* الكوب الأخير (رواية)

* علي الماجد

* دار الكفاح ـ الدمام ـ (ط1) 1434هـ / 2013م

* تقع الرواية في نحو (166صفحة) من القطع المتوسط