Saturday 21/06/2014 Issue 443 السبت 23 ,شعبان 1435 العدد
21/06/2014

الجنادرية والمسرح الحديث

كلما شاهدت مهرجانات الجنادرية عبر شاشات التلفزة تنتابني رغبة الكتابة والتعليق على المهرجان من خلال نواح متعددة أغلبها فنية تتعلّق بعلاقة الفقرات الأدائية بشكل العرض والتقديم، ولكن خشيتي من اللا موضوعية لأنني لست في مواجهة المسرح لمعرفة تأثير الضوء وحركة المسرح وحركة المؤدين، إذ إن التلفاز يغمط حق المبدع أحياناً أو في كثير من الأحيان

الجنادرية المهرجان الثقافي الذي يُقام في المملكة العربية السعودية كل ربيع ومنذ العام 1405 هجري 1985 ميلادي تحت إشراف وزارة الحرس الوطني السعودي، هو مهرجان ثقافي غاية في الأهمية لأنه يؤكّد القيم الإرثية في الثقافة الدينية والاجتماعية على مر العصور الإسلامية من أجل أن يحقق قراءة الذاكرة وتجسيدها بوعي لتبقى تلك القيم راسخة في ذاكرة التلقي.

حقيقة هو مهرجان ثقافي هام تتم رعايته على أعلى مستويات المملكة السياسية. ومن خلاله تزدهر الثقافة المعاصرة أيضاً ويستفاد من مناسبته لتنظيم الندوات والمحاضرات القيمة في شتى صنوف الثقافة.

أتابعه شخصياً عبر شاشات التلفزة وأحاول جاهداً التمعن في شكله وفي صيغته الأدائية. شاشة التلفزة لا تكفي حتى تغطي شكل المسرح والضوء فهو في مشاهدته واقعياً لا شك له طعم خاص ونكهة خاصة يصعب على التلفزة مهما بلغت قوتها التقنية أن تعكس قوة المسرح وحضورة، لكنني أستطيع أن أتصور الشكل في طبيعته عبر خبرتي المتواضعة في هذا المجال.

أتحدث هنا وبعد أن درست هولندا تاريخها السياسي وقررت أن تعمل مسرحية عن مآسي الحرب العالمية الثانية وما عملته من إرباك وفوضى وقهر في الحياة الإنسانية. هذه المسرحية وضعت لها إمكانات غير عادية على الإطلاق. وهي لم تعد مسرحية بالمعنى المألوف للمسرحية، بل إن قدرات الفنانين والتقنيين الهولنديين المعروفة قد جسدت الحرب العالمية الثانية في عمل ملحمي أستطيع القول يندر إنجازه في أي بلد من بلدان العالم وفي كل تاريخ المسرح وحتى في أمريكا ذات القدرات الهوليوودية المعروفة.

المسرح ليس مسرحاً بالمعنى المألوف للمسرح، بل هو بناء خاص للمسرحية ذاتها يتحرك مع الجمهور ويجعل الجمهور يعيش ساعات الحرب لحظة بلحظة باختصارها بثلاث ساعات مع إستراحة بينهما. هذا المسرح منفتح الأبواب الخلفية ومنفتح الجدران على ساحات هي ممثلة لساحات الحرب يراها المشاهد، بل يقترب منها تقنياً ويشاهد الطائرات الحربية الحقيقية وهي تغير من ألمانيا على هولندا ويرى البحر حقيقة من خلال مياه وأمواج حقيقية في المسرح لها امتدادت بصرية، مياه حقيقية تنتهي آفاقها بمؤثرات نرى من خلالها البحر على امتداد البصر ضمن مؤثّرات صوتية وموسيقية مجسدة للمشاعر ومذهلة في التلقي.

هذه التقنية ومع ثمن تذكرة الدخول الذي يساوي اثنتي عشر مرة سعر دخول المسرح الاعتيادي فإن المسرحية تعرض منذ أكثر من عامين لتستكمل عامها الثالث في آذار العام القادم. وبعدها سوف لن تتوقف هذه المسرحية، إذ ستظل تعيش لسنوات قادمة من خلال عروض سنوية في كل بلد من بلدان أوربا، حيث يتم بناء مسارح مشابهة للتجربة الهولندية وبإشراف هولندي لمؤسسي هذا الإنتاج المسرحي لما يتمتع به الهولندي من قدرة التقنية الفريدة.

ما أجدر مسرح الجنادرية أن يعزّز مناسباته بهذه القدرات ليرتقي بالمنتج الإسلامي والتاريخ الإسلامي إلى مديات مدهشة مبهرة في الشكل فيحول المكان إلى عالم من الصحارى والبحار والأصوات المجسدة عبر عملية إخراجية تمزج الواقع بالخيال.

مثل هذا العمل لا يمكن إنجازه في مدى عام، بل ينبغي التحضير له قبل أعوام واستكماله ليبقى موقعاً دائماً لاحتفالات ومهرجانات الجنادرية ذات القيمة التاريخية والمعاصرة.

ما أجدر هذا المهرجان بتقنيات العصر التي أذهلت العالم فتضفي على العطاء والفكر صيغة وشكلاً فنياً يرتقي بالجنادرية إلى ما تستحقه من قيمة فنية وجمالية لأن تكرار الشكل قد لا يتناسب مع تنوع المضمون الذي يحققه مهرجان الجنادرية كل عام.

الجنادرية المهرجان الثقافي الذي تحتفل فيه المملكة العربية السعودية من خلال وزارة الحرس الوطني السعودي الوزارة التي تبذل جهوداً كبيرة حقة في تجسيد تاريخي ثقافي يحتاج إلى ارتقاء أكثر لما يجسد الحقائق الثقافية التاريخية من خلال تقنيات العصر التي تجسدت في أهم إنجاز مسرحي في العالم بات يعرض منذ قرابة ثلاث سنوات ومن الصعب الحصول على تذكرة المشاهدة قبل شهور.

بهذه المناسبة أقترح أيضاً أن يصار إلى دراسة إنتاج فيلم سينمائي طويل يختصر تاريخ الجنادرية ليعرض في مناسبة يوبيلية فضية أو ذهبية يتم الاحتفال بها وقد مر حتى الآن ما يقرب من ثلاثين عاماً على أول عرض للجنادرية.

- هولندا k.h.sununu@gmail.com