Saturday 21/06/2014 Issue 443 السبت 23 ,شعبان 1435 العدد

بين المتطوع والمحتسب

في كتابه الأساسي «الأحكام الشرعية» وضع الماوردي تسعة فروق بين المحتسب والمتطوع..كلها تقريباً ترجع إلى أن «المحتسب» بالمعنى الاصطلاحي شخص تم اعتماده بشكل رسمي ومؤسسي وبطريقة مشروعة لشغل مهمة أنيطت به اجتماعياً.. بينما «المتطوع» شخص يبدو من اسمه أنه متطوّع بشكل ذاتي وفردي للعمل في المجال العام.. وهذا يعني أن المحتسب بالمعنى الاصطلاحي شخص تم اعتماده رسمياً واجتماعياً لشغل هذا المنصب فله بهذا المعنى صيغة الأمر والنهي ..بينما المتطوع شخص يعمل من تلقاء نفسه، فبالتالي ليس له معنى الفرض والإلزام. (الأحكام السلطانية للماوردي 315 و316 بتصرف وإعادة صياغة).

في هذا التفريق اللطيف يستشهد الماوردي في بداية كلامه بالآية القرآنية «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» فكأنه يلمح إلى أن الدعوة إلى الخير أمر لايقتضي الإلزام والفرض كما هي قواعد الشريعة في الدعوة بمافيها الدعوة للإسلام نفسه حيث قال الله «لا إكراه في الدين» بينما شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» المنوطة بالمحتسب فهي عمل أخص يتعلق بأمر ونهي.. وبهذا المعنى يتم طرح مفردة «معروف» ومنكر».

بينما في الآية الدعوة تتم لـ «الخير» يكون الأمر بـ «المعروف» فالمعروف معنى أعمق وأدق وأخص من الخير يتطلب نوعاً من معروفية هذا الخير وقبوله، ولذلك يطرح أكثر الفقهاء شرط ألايكون الإنكار في محل الخلاف.. لأن وجود الخلاف المعتبر يعني أن هذا الخير ليس «معروفاً» بمافيه الكفاية ليتم إنكاره.. وأن ذلك الشر ليس «منكراً» بمافيه الكفاية ليتم إنكاره. المعروفية في هذا الخير.. والمنكرية في هذا الخير تتطلب قدراً جيداً متفقاً عليه في المجال التشريعي إما في الفقه أو المجتمع ليتم ممارسة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وإلا لوكان كل أحد له رأي فقهي يستطيع الأمر والإلزام به لتم الإلزام بكل المتناقضات في المجتمع وهذا لايصح لاعقلاً ولاشرعاً.

وحتى أولئك الفقهاء مثل ابن القيم وغيرهم ممن يقول بأنه هناك إنكار في مجال الخلاف ولكنه «لا إنكار في مجال الاجتهاد» .. فإنهم ينتهون تقريباً لنفس المعنى فإن الذين قالوا «لا إنكار في مجال الخلاف» يقصدون الخلافات المعتبرة والتي يجوز فيها الاجتهاد وهي في النهاية حجم كبير جداً في الشريعة والفقه والمجتمع.

الشيء اللطيف الذي يبنغي مناقشته هنا هو بما أن هناك فرقاً مهماً بين ذلك المتطوع الذي يكتفي لحد كبير بالدعوة .. والمحتسب الذي يمارس «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالمعنى المدرسي.. وبما أن المحتسب شخصٌ يتم اعتماده رسمياً وشعبياً، فإن الماوردي وكثير غيره لم يغطوا ذلك المجال الفارغ في كيفية تنصيب ذلك المحتسب وهل يكون عمله أشبه بالعمل الرسمي المعيّن أم المنتخب أم المتوافق عليه مؤسسياً أو المشهود اجتماعياً والمتعارف عليه. هذه النقطة بالتحديد على لطافتها جزءٌ من عمل فقهي يحيل من غير قصد للتطورات الطبيعية في المجتمعات والأفراد والناس لكي تطور آلياتها الاجتماعية والمدنية نحو صيغة تطرح المحتسب كمهمة مقدسة وبنفس الوقت تملك المشروعية والقانون والمرونة.

قيمة المحتسب ذي المهمة المعتمدة تعود وترتبط بشكل جذري وأساسي بـ «المعروف» و»المنكر» ويعني ذلك شيوع معروفية أو منكرية ذلك المعروف والمنكر.. التي قد يكون ضمن آليات شيوعه والاتفاق عليه ذلك النوع من الاتفاق الشعبي عبر الممثلين المنتخبين والمشرعين المؤهلين قانونياً وشرعياً الذين عبر العرف الشعبي والطريقة الشعبية ليقوموا بتقنين ذلك العرف وترسيمه.

دور الشيوع للخير المدعو إليه وتحوّله لمعروف (دعنا نقول: فقهياً وشعبياً واجتماعياً) وشيوع الشر المحذر منه وتحوّله لمنكر (وسنقول هنا أيضاً: فقهياً وشعبياً واجتماعياً) يعني جواز اتخاذ الإجراءات الرسمية في الأمر بالأول والنهي عن الثاني بينما مهمة المتطوع هي الدعوة للخير.. في الوقت الذي تكون فيه مهمة المحتسب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

في النهاية هذه كانت مجرد محاولة لتسليط الضوء على نقطة صغيرة حول مهمة الاحتساب ودورها في المجتمع وأهمية تقديمها لخدمة المجتمع الإسلامي.

عبدالله العودة - الولايات المتحدة abdalodah@gmail.com