Saturday 21/06/2014 Issue 443 السبت 23 ,شعبان 1435 العدد
21/06/2014

فهد إبراهيم الحماد في روايته « صدى الصمت»:

اتكأت تفاصيل هذه الرواية على الحكاية

تَسْتَدِقّ تفاصيل حكاية الإنسان في رواية «صدى الصمت» للكاتب فهد إبراهيم الحماد حتى تكون على لسان الحكاء «الراوي» جزء من خبر ينقله بكل تفاصيله للمستمع أو القارئ على نحو سرد حكاية الشخصية المحورية «معتاد» وصاحبه « مطر» وشخصيات أخرى لا يقل حضورها في هذه الحكاية وهي «مآثر» و»مزون» و»منيرة» أضف إلى ذلك وجوه أخرى لها ذات الوجود والحضور.

أستطاع الكاتب الحماد أن يُضمِّن هذه الحكاية الطويلة للإنسان الذي يبحث عن ذاته ومستقبله ومستقبل أسرته ممثلا بالبطل «معتاد» حينما يرسخ وجوده في هذا العمل السردي، حيث دفع الراوي به نحو مضان التجارب القاسية معنوياً، إلا أنه في منتصف التجربة ووسط تداعيات السرد يفقد حياته، ليظل «معتاد» ـ رغم موته ـ محركا للحكاية بمعانيها فقط بعد أن توارى جسداً.

يتكئ هذا العمل على الحكاية كاملة غير منقوصة، وتحضر فيها أدوات التقريرية والتدوين والإيضاح والشرح والحوارية في الكثير من التفاصيل التي كان يمكن أن يشار إليها فقط بإلماح يخدم العمل ولا يرهله، أو يستفيض في شرح تفاصيل كثيرة قد لا تضيف شيئاً للقارئ الذي يسلك دروب هذه الحكاية أو التقرير الإنساني والعاطفي المترامي.

وحينما نقول أنها تفاصيل عاطفية يظهر لنا ذلك جلياً في سعي الراوي للأحداث إلى تدوين الكثير من المشاهد التي تتعلق في الشخوص ونقلها من وجهة نظر عاطفية ترشح معاني الوفاء والتقى والتضحيات والعفاف في أسرة تستقدم سائقا من «الأردن» يدعى «معتاد» إلا إنهم يكتشفون ـ أو هكذا أراد الكاتب ـ أنه فطين وعارف ومثقف وأديب و لديه طموحات كبيرة، إلا أن وظيفته لم تتغير رغم أنه أبدى لأصحاب المنزل وعمه الشيخ «مطر « صاحب التجارة وابنته «مآثر» الكثير من قدراته والتزامه، فظل على الهامش، ولم يتفاعل مع ما لديه من إمكانات حتى وفاته بشكل مفاجئ.

عناصر السرد في هذه الحكاية تستظهر فعاليات الزمان والمكان كحاضنين مهمين من حواضن السرد، فالشخصية المحورية «معتاد» هو من بُنيت عليه هذه الإنهيالات التعبيرية، ووقع في حبه الجميع وتداخلت الأسر بشكل لافت حتى لم يعد بصورة السائق الذي اعتدنا دوره ومهامه، فبات شخصية فريدة لامعة وأُهمل دوره وتفاصيل حياته الدقيقة .. تلك المعاناة التي يعشها أصحاب هذه المهنة على وجه التحديد.

حكاية «معتاد» حيا وميتا تسنمت فضاء السرد، ونقلت على لسانه أو من خلال مخطوطات خواطره وكتاباته بعد أن عادت إلى أبنت مطر « مآثر» التي أخرجته من كونه سائقاً إلى عاشق أو محب صامت خجول لكنه يحمل ـ حسب السرد ـ تفاصيل مدهشة وهائلة تداعت في الوصف والتضمين.

بيئة الحكاية طابعها جغرافي ارتحالي، تَنقَّل فيه الراوي من مستوى مدينة كجدة على البحر إلى مدن وعواصم أخرى كحائل ومانيلا وكوالالمبور وتفاصيل جغرافية مترامية احتشدت في هذا المشهد دون رابط يحيل إلى أساس الفكرة، أما حيز الزمان فكان واسعاً ومستحضرا للكثير من التداعيات الزمانية منذ عهود وأزمان غابرة، إلى عهود عاشها الشخوص ومن أهمهم «معتاد» وحبيبته « مآثر» التي عانت كثيرا في غياب هذا الرجل أو السائق، فيما تفاعلت فكرة الزمان على رسم كل ما يعن للراوي من حكايات أخرى تسند هذه الفكرة التي اختطها ونسج عليها الكثير من معالم السرد.

الأحداث في هذا العمل تأخذ طابع التقارير الموسعة، والوصفيات الخاصة، وتدوين الحوارات بشكل كثيف، لتتداخل فيها الأصوات، وتنبني على هذه الأحداث أفكار جديدة، لا تلبث إلا وتختفي عن معالم الفكرة وكأنها استضافة طارئة، مما يعزز ميل هذه الحكاية إلى الوصف والتقرير وبناء رؤية محددة تدخل كل المجالات، وتسير في مستويات فنية متنوعة، طابعها الوفاء لسرد حكاية إنسانية بأدوات معتادة، وبصور ثابتة لا تغادر منجز التقرير اليومي عن حياة إنسان تداخلت مهامه وتشعبت آماله وتنوعت طموحاته ولم يحقق شيئا منها، إلا انه استطاع أن يسجل حضورا معنويا لدى الأسرة التي عمل فيها، وكتبت لأهله ـ بعد موته ـ بعض النجاحات حينما أقالتهم من عِثار الحياة الصعبة، وضيق اليد وقسوة الحاجة.

** ** **

إشارة:

- صدى الصمت (راوية)

- فهد إبراهيم الحماد

- دار الأندلس للنشر والتوزيع ـ حائل ـ 1435هـ

- تقع الرواية في نحو (284صفحة) من القطع العادي