الأندية الأدبية محاضن للثقافة والفكر يعود تأسيس أوائلها إلى عام 1395هـ، ففي ذلك العام أسست ستة أندية، وهي: نادي مكة المكرمة الأدبي، ونادي المدينة المنورة الأدبي، ونادي الرياض الأدبي، ونادي جدة الأدبي، ونادي الطائف الأدبي، ونادي جازان الأدبي، ثم أسس ناديا أبها والقصيم في عام 1400هـ، ونادي المنطقة الشرقية في عام 1410هـ، ثم أسست أندية: حائل وتبوك والباحة في عام 1415هـ، ونادي الجوف في عام 1422هـ، ثم أسست ثلاثة أندية في عام واحد وهو عام 1428هـ، والأندية هي: نادي الأحساء، ونادي نجران، ونادي الحدود الشمالية، ويبلغ عدد الأندية الأدبية حالياً ستة عشر نادياً، وكانت تتبع الرئاسة العامة لرعاية الشباب حتى عام 1424هـ، ثم انتقلت تبعيتها إلى وزارة الثقافة والإعلام.
وقد صدرت لائحة تنظم عمل الأندية الأدبية بموافقة من الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، وخصصت مواد منها لضبط إيرادات الأندية المالية والصرف، وهي مواد تنظيمية في غاية الأهمية توقف أي تصرف خاطئ في الأموال العامة المخصّصة للصرف على نشاطات الأندية الأدبية ومطبوعاتها، ومن ذلك المادة الرابعة عشرة من الباب الثالث من نظام الأندية الثقافية والأدبية، ونص المادة: «على النادي أن يودع أمواله النقدية باسمه في بنك واحد، ويتم تحديده من قبل مجلس الإدارة، وتخطر الرئاسة باسم البنك ورقم الحساب، وعلى النادي أن يُشعر الرئاسة بأي تغيير يحدث بهذا الشأن بعد ذلك خلال أسبوعين على الأكثر».
وفي محاولة لضبط أموال الأندية الأدبية وأوجه الصرف، نصت المادة الثانية والعشرون من الباب الرابع من نظام الأندية الأدبية على إسناد توقيع الشيكات إلى رئيس النادي وأمين الصندوق معاً.
وحين صدرت اللائحة الحالية للأندية الأدبية عام 1431هـ شدّدت على هذا الجانب، وأضافت ضوابط أخرى، منها إسناد رسم سياسة النادي ومراقبة تطبيق لوائحه إلى الجمعية العمومية، وهو ما نصت عليه المادة السادسة عشرة، وطالبت بتعيين مراجع حسابات قانوني، وأشارت إلى أن من مسؤولية الجمعية العمومية إبراء ذمة مجلس الإدارة في الجوانب المالية إذ تنص المادة التاسعة عشرة على أن الجمعية العمومية تنظر في المسائل التالية: الموافقة على تقارير مجلس الإدارة عن أعماله، خلال السنة المالية المنتهية وبرامج الأنشطة، وخطط العمل للعام الجديد، والمصادقة على الميزانية والحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وإبراء ذمة مجلس الإدارة والمصادقة على مشروع الميزانية للعام الجديد.
أما دور الأندية الأدبية في تعزيز قيم النزاهة ومكافحة الفساد فتتمثل في مسارين رئيسين:
الأول: المطبوعات.
والثاني: النشاط المنبري.
فأما المطبوعات فهي تتضمن طباعة دواوين شعرية، ومجموعات قصصية، وروايات، ومجموعات مقالية، ودراسات جامعية تتناول قضايا الأدب والنقد، أو تترجم لشخصيات أدبية.
ويمكن الوقوف على أكثر من نص شعري، أو مقالي، أو قصصي يتناول قضايا الفساد في الأخلاق، وبخاصة الرشوة والنفاق والتعدي على حقوق الآخرين والواسطة والتعدي على مرافق الدولة وخدماتها، وغير ذلك من الأمور التي طرحها الأدباء في هذه المؤلفات، واحتفت بطباعتها الأندية الأدبية، ومما يمكن التمثيل به من عناوين تتضمن نصوصاً تحذّر من الفساد وخطره، وتدعو إلى النزاهة والتزام القيم الإسلامية الكتب التالية: أفكار صحفية لخليل الفزيع، ومن مقالات حسين سرحان، ونمو المفاهيم والبئر المستحيلة لمحمد العلي، وفي معترك الحياة وأمواج وأثباج لعبدالفتاح أبو مدين، وشوك وورد لحسن القرشي، وصراع مع النفس لعبدالرحمن العشماوي، وغيرها.
كما عُنيت بعض الأندية بطباعة بعض الكتب الشرعية التي تحدّد العقوبات على من يرتكب جريمة الرشوة أو غيرها من جرائم الفساد، وبعض الكتب التي ترغّب في السيرة المحمدية بما فيها من حث على القيم ومكارم الأخلاق، ومن ذلك الكتب التالية التي طبعها نادي الرياض الأدبي ضمن مطبوعاته الأولى قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهي: العقوبات الشرعية للشيخ محمد الهويش، وثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة للدكتور عبدالحليم عويس، والنهج المحمدي للشيخ عبدالعزيز المسند رحمه الله.
وفي مجال النشاط المنبري المتمثل في المحاضرات والندوات أسهمت الأندية الأدبية منذ سنواتها الأولى في الوقوف ضد ظواهر الفساد أياً كانت، ودعت إلى تعزيز القيم الوطنية، وكان الطرح في مجمله غير مباشر إذ يمكن رصد مسارين للفعاليات التي ترتبط بمحاربة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة، وهما:
الأول: المسار التربوي.
والثاني: المسار الوطني.
فأما المسار الأول فيمكن وصفه بأنه وقائي يهتم بأمور التربية وحسن النشأة وضرورة تحصين أفراد المجتمع بالتربية الإسلامية الصحيحة التي تمد الفرد بمجموعة من القيم التي تصده عن التردي في بؤر الفساد وتحميه من الوقوع في الرذائل، وترغّبه دوماً في التزام القيم الفاضلة والسلوك السليم.
ومما يمكن التمثيل به في هذا الجانب تبني نادي المدينة المنورة الأدبي لسنوات طويلة مسابقات لتحفيظ القرآن الكريم، وتفاعل نادي القصيم الأدبي مع موسم الحج وإقامة مخيمات تتضمن محاضرات توعوية، ومنها: آداب وسلوك الحاج وأثر التقوى، والحج وأثره في تربية النفس، ودور الأسرة في تربية الأبناء للدكتور حمد السلوم عام 1404هـ، وتنظيم نادي أبها الأدبي لمحاضرة عنوانها «العلاقات الإنسانية في العمل الوظيفي» عام1404هـ، وتنظيم نادي الطائف الأدبي سلسلة من المحاضرات في هذا السياق، ومنها: تربية الأخلاق أولاً للدكتور عبدالرحمن مختار خدوم عام 1398هـ، ودور المرأة المسلمة للدكتور عبدالله عمر نصيف عام1400هـ، وموقف الإسلام من الغرائز البشرية للشيخ محمد علي حكيم عام 1404هـ، والإيمان وحاجة المجتمعات إليه للشيخ عبدالله بن غديّان عام 1406هـ، وأمان النفوس والمجتمعات من منظور الكتاب والسنة للدكتور محمد الشويعر عام 1406هـ.
وإضافة إلى هذه الفعاليات التي يمكن وصفها بالوقائية، نظّمت الأندية الأدبية جملة من المحاضرات والندوات التي عُنيت مباشرة بمكافحة الفساد، ومنها محاضرة تناولت «الواسطة من منظور سوسيولوجي» ألقاها الدكتور مرزوق بن تنباك في نادي الرياض الأدبي عام 1412هـ، ومسرحية «الأجراس» التي عُرضت في مسرح النادي عام 1417هـ، وتناقش قضايا النصب والاحتيال والفساد المالي، ومحاضرة «النزاهة ومعركة الفساد» لمعالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف عام 1433هـ في نادي الرياض أيضاً.
أما المسار الوطني فيتمثل في تبني عدد من الأندية الأدبية لمحاضرات وندوات تعزز الانتماء للوطن، وتعلي من شأن مقدراته ومكتسباته، وتتضمن دعوات ضمنية لمحاربة كل صنوف الفساد التي يمكن أن تنخر في المجتمع وتعطّل التنمية، ومما يمكن التمثيل به الفعاليات التالية: اليوم الوطني وثقافة الانتماء (1426هـ)، وهل السعودة عنصريّة؟ (1430هـ)، والبعد الحضاري للمملكة (1433هـ)، ودور الأدب في تعزيز القيم الوطنية، ومعرض (قيم) التشكيلي (1435هـ)، ونفذت جميعها في النادي الأدبي بالرياض.
وقد أقيمت الندوة الأخيرة والمعرض التشكيلي في سياق شراكة بين إمارة الرياض والنادي الأدبي بالرياض تفعيلاً لأهداف حملة «وطننا أمانة» برعاية من سمو أمير منطقة الرياض.
كما نجد ضمن النشاطات التي نهضت بها الأندية الأدبية، فعاليات تناقش هموماً مجتمعية ملحّة، ومنها: أزمة الإسكان، ووزارة الصحة: المعوقات والتطلعات، والجرائم المعلوماتية في الأجهزة الحديثة، إضافة إلى رفع الوعي بحقوق المواطن والمقيم بتنظيم محاضرة عنوانها «الثقافة الحقوقية»، وألقاها المحامي أحمد الصقيه في نادي الرياض الأدبي عام 1433هـ.
وبعد، فالأندية الأدبية في المملكة تأتي في سياق المؤسسات الثقافية التنويرية التي تُسهم في رفع الوعي ومساندة الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة بين أفراد المجتمع.