في راهننا العربي كان هناك إلى سنوات معدودة فضاءات ثقافية تسهم في نشر المعرفة وبث شذى الثقافة.. تلك هي بعض معارض الكتب التي اختفت مع الأسف وهي المصابيح العربية الثقافية كمعرض دمشق الدولي للكتاب بسبب مأساة سوريا التي لم تفرق شمل حضورها الثقافي بل فرقت شمل شعبها ومزقتهم أو تلك التي بهت ضوؤها كمعرض القاهرة الدولي للكتاب والآن بدأت تتعافى ليعود وهج معرض كتابها بإذن الله.
لم يقلص من ألم غياب هذه المعارض.. إلا استمرار معارض دولية عربية أخرى كانت بجانب تلك المعارض كمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي بلغ عمره أربعة وثلاثين ربيعا ثقافيا وعطاءً ونشرا ومنبرا ثم بزغ نجم «معرض الرياض الدولي للكتاب» الذي عوض عن المعارض الغاربة، فكان هو ومعرض الشارقة الإيقونتين الشارقتين كل عام في مدار الثقافة.
أتوقف عند معرض الشارقة الذي أحرص على زيارته كل عام، إما مشاركا في مناشطه أو مقتنيا من معروضاته أو زائرا له ولأجنحته أستقي من أنهار الكتب على رفوف أروقته وأحضر بعض مناشطه.
هذا المعرض استطاع أن يجعل «الشارقة» هذه الإمارة العزيزة على بحر الخليج وعلى نهر المعرفة: علامة ثقافية خليجية عربية نفخر بها وهي تعتني بالثقافة عرضا ونشرا وطباعة لكتب قيمة وتكريما لمبدعي الخليج والأمة العربية.. والفضل لله أولا ثم لحاكمها المثقف الشيخ سلطان القاسمي، لقد بلغ من اهتمام الشيخ د. سلطان أنه يجتمع كل عام قبل المعرض بإدارته يطلع على تفاصيل المعرض ومناشطه فيناقشهم فيه تفاصيله حتى يخرج المعرض كل عام بما يليق بحضور الشارقة الثقافي.
لقد راهن سمو حاكم الشارقة على أن الثقافة بقدر ما هي إثراء للعقل وثراء للتنمية فإنها أحد حوافز السياحة لهذه الإمارة والإمارات الأخرى وليس أدل من هؤلاء الذين يزورون الشارقة كل عام لينهلوا من جداول معرض كتابها الدولي.
لقد رأيت أن هذا المعرض الذي وفق سمو الشيخ سلطان في اختيار المسئولين عن إدارته وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد العامري ببعد نظرته ورؤيته التجديدية للمعرض ليواصل المعرض نجاحاته عاما بعد آخر فهذا المعرض يتجدد فعلا كل عام من خلال رؤيتي لا روايتي.
وأضحى هذا المعرض مع شقيقه معرض الرياض الدولي يقولان للعالم إن الخليج ليس نفطا ولكنه حضارة وثقافة كما قال ابن السعودية والخليج الراحل غازي القصيبي:
نفط بقول الناس عن وطني
ما أنصفوا وطني هو المجد
لقد استطاعت إدارة معرض الشارقة أن تجعل لها هدفا ألا وهو التطوير والتجديد لجذب الزوار سواء الرجال أو النساء أو الأطفال أو الأدباء أو العلماء أو المهندسين فكل شريحة تجد بغيتها من أوعية المعرفة أو من المناشط الثقافية.. فالهدف هو وجود حراك ثقافي لدولة الإمارات العربية يتم على أرض إحدى جواهرها «الشارقة» المشرقة بالمعرفة والنماء دوما.
لقد شدني تصريح موفق لمدير عام معرض الشارقة أ/ أحمد العامري بعد انتهاء معرض الشارقة الماضي قال فيه «يهمنا أن يكون هناك زخم ثقافي في الإمارات، زخم ثقافي في أبو ظبي، في الرياض، في عدن، في القاهرة، في بيروت والعواصم العربية تكمل بعضها».
تحية للشارقة التي انطلقت في فضاء المعرفة وأبرزت وجه الإمارات الثقافي مجسدة أن الشارقة والإمارات عموما ليست غابات إسمنتية أو أمنية اقتصادية أو فقط ولكنها تراث عربي وإسلامي مشرق وفكرة وثقافة.
قبل أن أختم مقالي أشير باعتزاز إلى «جناح وطني المملكة العربية السعودية» بهذا المعرض الذي هو بحق معلما متميزا سواء بموقعه أو تصميمه المتجدد أو معروضاته أو نشاطه المنبري عبر «رواقه الثقافي» في جناحه الذي يشهد كل ليلة نشاطا ثقافيا بشكل منظم وبسيط يشارك فيه كتاب وعلماء سعوديون وغيرهم ويحضره من يرغب من زوار المعرض في جو معرفي متسم بالحوار والاحتفاء لكل من يحضره أو يشارك في مفردات رواقه بالمداخلة والرأي أو الحضور ويقف خلف هذا الجناح ورواقه وزارة التعليم العالي من منطلق رسالتها نحو ثقافة وطننا والتعريف بها بدءا من معالي وزيرها السابق د. خالد العنقري ومعالي نائبه د. أحمد السيف والإدارات العامة بالوزارة المسئولة عن هذه الملحقيات ودورها التعليمي والثقافي، ويقوم على تحقيق هذه الأهداف بالإمارات الملحق الثقافي السعودي د. صالح السحيباني بحسه الثقافي وجميل أدبه ومعه نائبه الخلوق د. صالح الدوسري وبقية زملائهم الحريصين على إظهار الوجه الثقافي السعودي انطلاقا من رسالة المعرض محققين هدف وزارة التعليم العالي ومسؤوليها الذين أثبتوا نجاحهم بالاضطلاع برسالة الوزارة الثقافية كما اضطلعت ونجحت الوزارة في منجزاتها التعليمية.