جرى العرف العام عن فنون اختيارالأصدقاء وأن المرء من جليسه، ومضت الحكمة تركز على هذه الوظيفة وأهميتها في حياة الإنسان كشرط تربوي وسلوكي، وتجري الغفلة عن نظرية أخرى أظنها أخطر من تلك وهي نظرية اختيار الخصم، ولا شك أن المرء من خصمه مثلما أنه من جليسه، والشواهد الواقعية تثبت أن للبشر طرقا ذكية في اختيار الخصم وتمييز شخص عن شخص ومن أولى بخصومتك، وإن كان الفرسان القدماء يعرفون من ينازلون ويختارون خصمهم المبارز، ويعلمون أن الواحد منهم يجب عليه انتقاء نوعية ميتته وعلى يد من، مثلما ينتقي نوعية انتصاره وعلى من يكون،
ولكن الغفلة تتم في حالة الخصومة السليمة، وتشهد تويتر على أمثلة من هذا، ففي كل مبارزة لفظية يسقط ناس ويتميز ناس، والميزان فيها ليس انتقاء الكلمات وردود الفعل فحسب، بل أيضا في اختيار الخصم المبارز، وستنكشف مهارة المرء عبر خياراته، بأن تتتجادل مع من ... وفي أي أمر ....وكيف تختار بين هزيمة صغيرة تمر وكأنها لم تحدث أو هزيمة مدوية تخجل منها، وتخجل من كونك طرفا مع شخص لا يناسب صفتك ولا اسمك مثل لو أن الفارس المجيد مات على يد رجل لئيم، وبئس بها من خاتمة (وقديما لم تكن هذه تحدث إلا في حالات الغدر)،
وكذا هي حالة الجدل حين تقع مع طرف لا يشرفك اسمه، أو تقع مع شخصية لها كفاءة علمية وثقافية توازي حقوق الموضوع المطروح، وهذه لحظة من لحظات الحكمة العالية لتختار خصمك مثلما تختار جليسك، وكما أنت من جليسك فأنت أيضا من خصمك، سواء بسواء،
والأكيد أن نظرية اختيار الخصم وإتقان هذا الاختيار مهمة في أي صراع مثلما أنها نظرية في العلاقات العامة.