الروائي والقاص التشكيلي محمد الشهدي يرسم الكلمة ويشكل القصيدة
كتب لي الفنان المغربي محمد الشهدي المقيم في جدة في الصفحة الأولى من الإصدار الخاص بمعرضه الذي حمل عنوان نصف الحياة كما أعتقد .. أو كما قرأته، جاء في الإهداء .. أخي محمد المنيف، أقدم قلبك هكذا قبساً من الاحتفال وآخذ مكاني في عيونك ليس للبهرجة بل لأني أفضلها بوابة للبحث في قلبك عن منزح ولو بحجمنا سعة ..
انتهى الإهداء وبعيدا عن استعراض الذات بالنسبة لي وللإشارة إلى هذه العبارات أقول إنني لم أكن أعرف الكثير عن هذا الفنان الأديب والكاتب إلا من بعض الأخبار. فكانت تلك الكلمات نافذة منحتني الإطلالة على أبعد نقطة في أدبه (خلقا) وأدبه (قلما وفكرا) مع ما استمتعت به من عالمه التشكيلي من خلال لوحاته التي تضمنها الإصدار وما اشتمل عليه أيضاً من ومضات رقراقة وراقية لأقلام لها مكانتها وقراءها. فلنبحر مع حياة الشهدي وإبداعاته التشكيلية.
جمع الكلمة باللون ليشكهم.. جمالاً
اشتمل الإصدار على مقدمة للفنان قال فيها (جبلت على الحوار واستهجن الثرثرة .. وأمقت أن يفهم أن الصمت عنواناً للكلام إلا في حالة الألم.. واعتبره -بمطلق الفهم- رديفا للعدم.. وأرث رفاهية التعاطي مع العمل التشكيلي (الحقيقي) هي في الحوار ولو بصمت.
ماذا بعد وماذا سنرى وكيف لنا أن نتحدث ومتى يمكن لنا الصمت. فالفنان محمد الشهدي بقطر قلمه وعطر لوحاته يدفعنا للثرثرة على ضفاف نهر إبداعه.. ويجبرنا على الصمت عندما تلتقي أعيننا بكلماته المكتوبة في الرواية أو القصة أو الشعر أو عند وقوفنا أمام لوحاته المرسومة لنترك للحوار الوجداني فرصته بعيداً عن مبالغة اللسان، تحمل سيرته الذاتية ومسيرته الإبداعية الكثير من الحضور منها أكثر من ثلاثين مشاركة في معارض جماعية في جدة والمغرب ولندن ومعارض شخصية عضو مؤسس لجمعية نهضة الفن التشكيلي بالمغرب حسب فترة إصدار الكتاب الخاص بمعرض (الحياة) وله من المؤلفات منها أربعة إصدارات شعرية وثلاث قصصية وعشر روايات.
ثورة وعنفوان حرف تجاوز الجملة
لم ألم بإبداعات الفنان الأديب محمد الشهدي بمثل ما اكتسبته من معرفة أكثر ولوجاً في تجربته التشكيلية خلال تصفحي ذلك الإصدار الذي قامت به وزارة الثقافة والإعلام تقديراً لهذا الفنان، وجدت في إبداعه شغفاً ورغبة في التعامل مع أدواته بجرأة قل أن نراها إلا عند من لا يمتلك السيطرة على مشاعره وعنفوانها وثورتها وانطلاقة فارس على صهوة خيل ألوانه في معركة مع اللون الأبيض، فقد كشف لنا الفنان محمد الشهدي أنه لا يتعامل مع الواقع من الشكل وتكوينات اللوحة بقدر ما يستسلم لرسائل لا يراها ولكنه يشعر عند تحولها على اللوحة خطوطاً وألواناً ومعاني تمنح المشاهد فرصة للبحث عن تفسير إحساسه بالدهشة أو التعرف على مكنونات كل جزء من اللوحة، أحياناً تتزاحم وتتلازم وأحيانا تتباعد لكنها لا تتفرق.
تضاد يكشف الجمال في ثنايا القبح
المشاهد للوحات الفنان محمد الشهدي يشعر بأنها تجمع التضاد في اللون والانسجام في الخطوط مع ما تشكله اللوحة من عالم من الفوضى المنظمة التي تظهرها تموجات الحروف وتحاورها مع اللون بمراوغة تسمعك الصوت وتشعرك بالضوضاء المطعمة بالإيقاع الصاخب المحبب.
قد يرى الكثير أن اللون الأسود نوع من النشاز ومصدر إزعاج للمتلقي لكننا نراه في أعمال الفنان الشهدي يشكل أرضية لإبراز بقية الألوان، في مزجه بالأحمر والأصفر والأزرق ما يثير فينا الإحساس بأننا في عالم من أضواء شهب في ليلة صيفية.
قالوا عن الشهدي.
تضمن إصدار معر (نصف الحياة) للفنان محمد الشهدي آراء وتحليلات لإبداعه نجتزئ منها ما تسمح به المساحة معتذرين للكتاب عن هذا التصرف المكرهين عليه.
قال عنه السيد الجزايرلي إن أعمال الفنان محمد الشهدي أن الفعل الإبداعي لدى الفنان محمد الشهدي نتاج تجربة تمشي على مسارين متداخلين. الأول مسار الكتابة بما تحو من تشكيل وتصوير لغة، والثاني مسار التشكيل بما يحتوي من رسم بالحروف والكلمات، فالفنان الشهدي عندما يكتب نصاً شعرياً أو سردياً ينحاز بشكل لا إرادي - ربما. إلى خاصية التصوير أي (الصورة الشعرية) إذا كان النص قصيدة، أو (المشهدة السردي) إذا النص قصة ورواية ومن خلال اللغة التي يجيد توظيفها بدرجة كبيرة من الدراية والتفرد.
يقول الدكتور سعد العبد لقد حقق الفنان محمد الشهدي حساً جمالياً يجمع بين مجموعة من التوافقات التي تتحقق بين الشكل والمضمون كذلك بين التوظيف اللوني بجمالياته ودفئه وكذا بين تناسبية الحروف المستخدمة من حيث تقوسها واتساعها واحتوائها لجملة العناصر الإيحائية والإيهامية المستخدمة.
ويقول عنه عبد الرحيم العطري أن الفنان الشهدي يمارس غواية الحرف الأصيل، يعانق الجرح النازف صعوداً، إلى متاهات الأنفاس وبداهات الأشياء، من الحرف إلى الحرف، يحبر البياض اشتهاء للمعنى، وانتقاماً من عفن الوقت وسيول الرحيل.
ونختم ببعض مما قالته الناقدة عبير الصاعدي، التي قالت ينطلق الفنان في غالب الأحيان من واقع يعيشه أو حلم، أو حتى خيال يتأمله دخل وجدانه وينطلق منه سابحا في الأعماق إلى أن يصل به إلى الواقع.
لنصل إلى قولها ولأن للحروف ميزتها الشكلية الجمالية ولطبيعتها القوية والمرنة وما تحمله من قابلية على المدى والاستدارات التي تكسب اللوحة جمالاً وبهجة.. أوجدها الفنان التشكيلي والشاعر والروائي المغربي محمد الشهدي في عالمه الفني وفي قلب أعماله ليجعلها قلبا نابضا لها، فيصبح لحرف فيها معنى خاصاً كما أن للون معناه يتحاوران ليخلقان لأعماله مدخلين لغوي وبصري.