Saturday 20/09/2014 Issue 446 السبت 25 ,ذو القعدة 1435 العدد

الفيلسوف النوعي والفلسفة في السعودية

مهما قيل عن الفلسفة فإنها الأساس العقلي الذي يميز الإنسان عن غيره من البشر فلئن عرف الإنسان بأنه الكائن الوحيد الذي له دين فإنه يمكن أن يحد الإنسان بالعلم والفلسفة أيضاً؛ بهذه الأضلاع الثلاثة يتميز الإنسان عن غيره، فإن فقد ضلعا منها ظل الإنسان يحس بنقص في بشريته.. يحس بنقص لا يسده إلا وجود دين يهون عليه مشكلة النهاية ووجود فلسفة يبني عليها بعض محاولاته الخاصة لفهم النهاية كما يبني عليها فهمه لذاته وللآخر ويبني عليها الأساس النظري والقيمي للعلم الذي لا بد من وجوده أيضاً ليمكن الإنسان من تطويع الكون والتغلب على المصاعب التي تواجهه...

ومع ذلك تعد الفلسفة ممنوعة في المقررات الجامعية هنا مقارنة بكل البلاد العربية التي تعطي جرعة منها في المرحلة الثانوية ثم تدرس في أقسام خاصة بها...، حقاً لم يظهر فيلسوف عربي في الجزيرة العربية منذ أن بدأت الفلسفة غير أن هنالك بعض الفلاسفة العرب أرومة ولكنهم كانوا خارج جزيرة العرب في العراق والشام والأندلس ... بيد أنه وجدت إشارات في السيرة إلى قراءات كانت في الجاهلية للأساطير السابقة ولقصص الأمم المجاورة للعرب كما وجد بعض الحكماء العرب الذي مارسوا شيئاً قد يقرب من الفلسفة من غير أن يكون فلسفة ويحتاج العصر الجاهلي إلى مزيد بحث في هذه الناحية.

إذن لا وجود تأريخي يستحق الذكر للفلسفة في الجزيرة العربية وبما أنه لا يمكن فصل الفلسفة عن تأريخها وبما أنه لا تأريخ للفلسفة فليس هنالك بالضرورة فلسفة، فإذا كان بقية العرب الذين يتفلسفون الآن هم في وضع (ما قبل الحداثة) كما يقول حسن حنفي فإننا هنا (لا موقع لنا) حتى الآن!

وحتى نكون أكثر دقة لا بد أن نحدد فعل التفلسف الذي بمقتضاه توجد الفلسفة ويصح أن نطلق على المتورط فيه فيلسوفاً، ففعل التفلسف كان قديماً يتعلق بالتفكير الميتافيزيقيي وبتصور الكون والغايات من خلقه، وبضبط عملية التفكير من خلال المنطق الأرسطي، وغالباً ما تقترن الفلسفة بالطب فيما بعد وخصوصا في التأريخ الفلسفي عند المسلمين، وهو اقتران له دلالاته التي تجعل الفلسفة منصبة على علاج هذا الإنسان فكرا وعلماً وبدناً إذ هي أم الفكر وأم العلم وأم البدن أيضاً... لم تبق الفلسفة على حال واحدة فلقد تطورت وتشعبت حتى الآن وصارت المسألة الميتافيزيقية التي تتعلق بالنهاية واليوم الآخر لا تشكل اهتمامها الأكبر بل يكاد هذا المشكل ألا يكون له وجود في العصر الحديث؛ إذ بدأت الفلسفة تهتم بالوجود الحاضر وتهتم بالتفكير الإنساني وتهتم بالأساس النظري للعلوم وكيفية ضبطه فنشأت أنطولوجيات ونشأت إبستمولوجيات ونشأت الفلسفة اللغوية التحليلية ونشأت الفلسفة النقدية وقامت على هذه الفلسفات النهضات المعاصرة للفعل البشري المتطور، ومن المعروف أن الفلسفة قسم دراسي في كل كليات الآداب في العالم أجمع باستثناء بلدنا.

أما لماذا لم توجد الفلسفة فلاعتبارات عديدة أهمها أن العقيدة كما تدرسها السلفانية التيمية تصرح برفض الفلسفة وأنها ضد الدين معتمدة على أقوال أناس لا عصمة لهم ومعتمدة على ظرف تأريخي معين، قامت بتجميد الموقف من الفلسفة عليها جريا على عادة السلفية في اقتطاع موقف تأريخي ما ثم تجميده، ثم تعميم حكم عليه، ثم التحكم في الآخر بناء على هذه العملية ، مع أن الفلسفة قد تغيرت وتطورت وصارت جزءا من التطور النوعي البشري وجزءاً مما كرم به الله البشر عن بقية الكائنات هذا هو الاعتبار الأول أما الاعتبار الثاني فلأن الفلسفة تحرك الراكد من المياه، وتجعل الإنسان حراً من الإيديولوجيا التي تسلبه حرية التفكير وتجعله مجرد موجود إيديولوجي لا كائنا بشريا مكتمل البشرية، و لاريب أن المستفيدين من تكثير الموجودات الإيديولوجية لا تسرهم الفلسفة.

ولذا فما يقال عن محاضرة حمزة شحاتة الرجولة عماد الخلق الفاضل والانخراط في وهم أن المحاضرة محاضرة فلسفية، والتباس ذلك الوهم على حمزة شحاته نفسه التباساً جعله يكتب بعض الحكم القصيرة ظناً منه ربما أن هذه هي مهمة الفيلسوف، وما حشره محمد العوين تحت المقالة الفلسفية في كتابه حول المقالة هو ليس من الفلسفة في شيء وكل ذلك هو أشبه بمقالات ذاتية أدبية أغلبها هزيل جداً تحلق في خيال غير مجنح محكوم بشرطه الاجتماعي. ..

والأمر ذاته يتحقق في كتب عبدالله القصيمي الذي لا يمكن بعد خروجه عده من مفكري البلد... إن كتاباته هي أقرب إلى الثرثرة الأدبية والإسهال الإنشائي منها إلى الفلسفة والأدب ولا يحمد له إلا التراكم الكتابي الذي تفرغ له بل إن جعله نموذجا للملحد الفيلسوف أدى إلى رد فعل قوي تجاه كل ما قد يصنف في تصنيف الفلسفة أو الفلاسفة، ولما يزل الوضع ذاته ففي بلاد لا تملك قيد أنملة من فعل التفلسف لا يمكن أن توجد فيها فلسفة بين عشية وضحاها

ومما يبعث على الشفقة السلوفينانية التي تغلف سخرية مرة التهكم الشديد من ( الفيلسوف السعودي!) البليهي عند أبي يعرب المرزوقي فقد سخر سخرية مرة من بلاد الساميين البلهاء وعرض بالبليهي تعريضا قاسيا...

والحقيقة أن البليهي ليس سوى قارئ ناقل أو قارئ سلفي ينقل من كتب عربية أو مترجمة عبارات وشعارات صحفية ويرددها ليس إلا، ويتساوى معه بعض الصحفيين الذي لا يتجاوزون في العدد أصابع اليد الواحدة؛ ولذا فقد وجدت ما يسمى الحلقة الفلسفية التي كانت بمثابة استزراع نخلة في القطب المتجمد نفسها غريبة لأنه ليس فيها فيلسوف واحد ولأنها تعيش في بيئة معادية.

ولئن حاول قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود إدخال مادة إبستمولوجية مهمة سماها نظرية المعرفة تحايلا لإقرار المادة فقد نجح في إقرارها، ولكن العقبة التي واجهته أنه لم يجد مختصين لتدريسها... وحين نقلت هذه المادة إلى كلية الآداب في جامعة الباحة أبعدت مباشرة هي وتحليل الخطاب!!، ولقد كانت هذه فرصة لفتح بصيص من الضوء في تأسيس الدرس الفلسفي الأكاديمي الذي قد يتطور إلى فتح أقسام للفلسفة، ولكنها وئدت في مهدها لذا سيأتي زمان نبحث عن فلسفة وفلاسفة فلا نجد بعد أن وضعنا رقبة الفلسفة تحت حد السيف فيرد علينا من حولنا حين ذاك (في الصيف ضيعت الفلسفة) وبذا لن يعلو لنا بناء حضاري مهما فعلنا.

ولكن هل يمكن أن يوجد فيلسوف بطريقة أو بأخرى ؟ وما حد الفيلسوف إذن ؟

هنا الحدود تتعدد بتعدد المناهج والفلسفات ولكن حتى يمكن أن نقر بالفعل الفلسفي لابد أن يوجد تراكم فلسفي من المؤلفات ومن البحوث يتحول بعد كل مدة إلى نتاج كيفي أي لابد من وجود تقاليد أكاديمية عريقة تأخذ فترة من الزمن لتنضج، ولا يمكن هنا في ظل المسار العلمي الراهن أن يوجد بيننا فيلسوف أكاديمي.

أما الفيلسوف الذي يمكن أن يوجد فهو الفيلسوف النوعي وهو من يقوم بممارسة الفلسفة بالصيغة الابتكارية للذات حسب فوكو، وهي ابتكارية كما يقول عبدالعزيز بومسهولي لأنها تجعلني أعيش حاضري وأجعل منه أفقاً ممكنا للمستقبل بحيث يكون الحاضر انفلاتاً عن هيمنة الحضور المعطى سلفاً وتحيين للقدرة وتخلص من العجز، و عادة ما يقوم هذا الفيلسوف النوعي بالتأليف في الفلسفة وينجز منجزات نوعية لاكمية و لاتردادية وهذا النوع من الفلاسفة لابد أن يهضم جهود الفلاسفة السابقين ويضيف ما يستحق أن يكون معه فيلسوفاً وإلا يظل مجرد ناقل وقارئ أو كاتب مقالات سطحية، وحتى الآن لم يوجد لدينا الفيلسوف النوعي إذ هو يحتاج إلى تراكم وتطور حتى يستطيع الوصول إلى النوعية ولا سبيل له إلا الانخراط في المشهد الفلسفي العربي و العمل وفق مقتضيات التطور الفلسفي العربي بعامة لينتقل من (لاموقع) إلى (ما قبل الحداثة)، ثم ليناقش كيف يستطيع صياغة حداثته وكتابته الصفر.

د. جمعان عبدالكريم - الباحة