«خيرٌ للإنسان أن يبني كوخاً حقيراً من ذاته الأصيلة، من أن يقيم صرحاً شامخاً من ذاته المستعارة»
(جبران خليل جبران)
ما من رئيس دولة في العالم إلا وصدرت كتبٌ تتحدث عن سيرته وتنسب له الفضل في إنجازات ربما لم يكن له حقّ الرأي فيها أساساً لا الدور الرئيس بوصفه الرئيس(!)، وعادة ما تأتي تلك الإصدارات بأحد وجهين: إما السياسي الإخباري التقريري، وإما الأدبي العاطفي التعبيري.. غير أن القليل جداً – وربما النادر – أن يأتي كتابٌ يندرج تحت هذا التصنيف المستهلك (رئيس دولة كعنوان) وفي المتن روحٌ أدبية تتحرك منجزة لسياسة واقتصاد وخطط تنقذ بلاداً من إهمال نفسها لتضعها في بؤرة اهتمام العالم.
كتاب (مهاتير محمد.. رائد النهضة الماليزية) الصادر عن دار الفاروق للاستثمارات الثقافية بمصر، في سلسلة (مشاهير العالم) تأليف الأديبة د. عطيات أبو العينين، حقق – برأيي – معادلة من نوع خاص وجدير بما يتجاوز الاطلاع إلى الإعجاب، وأخذه كنموذج استثنائي للطرح السياسي بنكهة أدبية، ناجمة عن روح أدبية، لا على مستوى التحرير والصياغة، بل هو الأساس الكامن في هيكل الشخصية المحورية. فمهاتير محمد الحاصل على جوائز (ثقافية) من الدرجة الأولى، كجائزة الملك فيصل مثلاً، لم يكن مشروع مثقف أو أديب ضلّ طريقه إلى السياسة – ولا العكس – كما هي حال بعض من حققوا معادلة مشابهة، بل هو المفكر الذي عرف كيف يوظف نتاجات فكره ويبلورها إبداعاً ينهض ببلاده إلى حيث يتأمّل ويأمل. يقول في أول عهده: (إن لدينا رؤية بسيطة لبلادنا، ولكنها رؤية واضحة، وهي أننا نريد أن نكون دولة متقدمة). وقد استطاع فعلاً أن يحلّق بجناحي البساطة والوضوح ويحقق لبلاده ما أراد، خلال فترة رئاسته لحكومة ماليزيا (1981 – 2003) وهي أطول فترة لرئيس وزراء ماليزي وأكثر فترة تحققت فيها إنجازات وضعت تلك البلاد على الطريق التي كانت حلماً يبدو في غاية الصعوبة ويشبه المستحيل حين تكون الخطط السياسية (تعافر) بين دول عظمى لها حساباتها وسيطرتها على الكرة الأرضية والفضاء المحيط بها، غير أن الرؤية الأدبية عندما تكون أصيلة في معدنها وصلبة في تكوينها تثبت دائماً أنها الأكثر حنكة والأقوى إرادة حين تتولى مسؤولية القيادة لشعب وضع ثقته في صاحبها؛ وهكذا – بكل بساطة ووضوح – نجح مهاتير محمد في تحقيق طموحه وطموح شعب بلاده معاً..
لستُ بصدد قراءة نقدية أو تحليلية لكتاب د. عطيات عن د. مهاتير، ولكن.. هو كتاب يستحق أن يشار إليه بوصفه ينفرد بتغطية شاملة لصراع سياسي مرير في بقعة من العالم انتصر فيه رجل تقلد مناصب الحكم وهو يحمل في حقيبته الرئاسية أحلاماً تنبع من ذات أدبية، ثم بعد تحقيقها بإبداع وترك المنصب برغبة منه تنم عن الرضا الكامل والإيمان بضرورة تدفق دماء جديدة تكمل من حيث انتهى، جاءت من تكتب عن تلك المرحلة من تلك البلاد بالروح الأدبية المبدعة والرصد السياسيّ الدقيق.