يبدو من اللافت ما نلحظه مؤخرا من تعاقب سريع على منصب مدير عام الأندية الأدبية في وزارة الثقافة والإعلام، ففي فترة وجيزة لا تتعدى العام ونصف العام تقريبا تلاحق على كرسي هذا المنصب كل من الباحث والكاتب حسين بافقيه الذي لم تتجاوز مدة مكوثه عليه أكثر من ثلاثة أشهر!
والأمير سعود بن محمد بن عبد الله بن مساعد آل سعود الذي لم يطل بقاؤه فيه أكثر من نحو عام وشهر من الزمن، وها هي الوزارة تعين الشاعر الدكتور أحمد قران الزهراني. فأين يا ترى يكمن الخلل؟
هل يكمن في عدم أهلية وقدرة هؤلاء على القيام بمهام المنصب الذي لا شك يحتاج لمهارات إدارية خاصة تساعد على معالجة وضع الأندية الأدبية المتردي، أم في الظروف المحيطة بهم و الصلاحيات المحدودة المتاحة لأداء الدور المأمول؟
إذا كانت المسألة عدم أهلية فمن الممكن بالفعل معالجتها وحلها مع رحيل مدير وقدوم آخر لكن في حال كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الصلاحيات الممنوحة والإمكانيات المتوفرة للقيام بهذه المهمة فلن تحل إذا مهما تعاقب المديرون مالم يعالج سبب المشكلة والخلل الرئيسي فيها.
ولنأتِ لبافقيه ، فهو محل احترام وتقدير كثير من المثقفين، وقد أعلن لدى تعيينه بأنه سيقف مع المثقفين في جميع قضاياهم وفي حال لم يستطع تقديم أي إضافة نوعية في هذا المجال، فإنه سيقدم استقالته تاركا المكان لغيره. وهو ما حدث، والسؤال لماذا لم يستطع تقديم أي إضافة نوعية؟ ما العراقيل والعقبات التي واجهته، والتي من الطبيعي مالم تعالج أن تواجه غيره؟
فبداية تقلده للمنصب بدت مدعاة للتفاؤل بما أبدى من اهتمام واضح بما تم إجراؤه من تعديل على اللائحة الاساسية للأندية الأدبية التي طرحت الكترونيا على موقع الوزارة للنقاش من قبل المثقفين والأدباء. إضافة إلى اهتمامه أيضا بتفقد أوضاع بعض الأندية الأدبية. غير أن استقالته جاءت سريعا بشكل مفاجئ، وفسرت بأنها اعتراض على آلية العمل في وزارة الثقافة ومؤشرا على وجود خلل في الإدارة العليا للأندية الأدبية مما يجعل إصلاح الوضع الثقافي المتعثر أمرا متعذرا. وربما هو ما دعاه بأن يعلل انسحابه في خطاب الاستقالة الذي رفعه إلى الدكتور عبد العزيز خوجة، بعدم ملاءمة أجواء العمل لإنجاز شيء للوسط الثقافي، معلنا بصراحة عدم قدرته على التعايش معها أو العمل من خلالها. ومسجلا تحفظه على أداء القطاع الثقافي في الوزارة. بسبب خلفية أحداث نادي أبها الأدبي وحكم المحكمة الادارية ببطلان الانتخابات التي جرت.
وبعدها جاء تعيين الأمير سعود بن محمد، والذي يطلق عليه صديق المثقفين والقريب من همومهم وأحلامهم المشروعة التي أنهكت وأنهكوا لطول فترة المطالبة بها، وقد رأى بعض المثقفين في تعيينه مديرا عاما للأندية الأدبية فرصة حقيقية لتغيير بعض الأمور إلى الأفضل. وهو بدوره أكد لدى تعيينه حرصه على المضي قدما في تطوير آليات العمل في الأندية الأدبية وفي مقدمتها الانتهاء من لائحة الأندية الأدبية الجديدة وإقرارها من قبل الوزير، والسعي الحثيث لتقديم العون والمساعدة لخدمة الثقافة والتواصل مع الأندية الأدبية ودعمها للقيام بأدوارها في خدمة العمل الثقافي في المملكة. وقد صرح بأن الأندية الأدبية ينتظرها مستقبل مشرق.
فماذا حدث؟ وهل واجه هو أيضا من العقبات ما واجهه بافقيه ؟ وفي النهاية لماذا تم إعفاؤه؟
نحن بحاجة لشفافية من أجل الوقوف على الأسباب والمعوقات الحقيقية التي تحول دون إنجاح عملية إصلاح وضع الأندية الأدبية ووجود رغبة صادقة في التغلب عليها وجدية في مراجعة الحسابات حتى لا نبقى عالقين طويلا وندور في حلقة مفرغة.
وها هو وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عبدالعزيز خوجة، يصدر قراراً قبل أيام فقط بتعيين الزهراني مديرا عاما للأندية الأدبية تحت إشرافه المباشر، بعد أن كان تحت إشراف وكالة الشؤون الثقافية في الوزارة. فما الفرق الذي نتوقع أننا كمثقفين يمكن أن نلمسه هذه المرة مع قدوم مدير جديد في ظل بقاء الظروف التي تحيط بالأندية على ماهي عليه، وهي ظروف لا تخدم نمو وانتعاش العملية الفكرية والثقافية والأدبية.
الدكتور أحمد قران الزهراني ابن المشهد لاريب كما أنه يمتلك خبرات متعددة ، فإضافة إلى أنه شاعر فهو ممن مارس مهنة المتاعب الصحافة وعمل مديرا لإدارة الصحافة المحلية في وزارة الثقافة والإعلام في منطقة مكة المكرمة، وله عدد من الإصدارات الأدبية، ومثل المملكة في عديد من المحافل الدولية، وشارك في عدد من المهرجانات. ولديه تجربته مع الأندية الأدبية باعتباره كان عضواً في مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة.
وصرح هو أيضا بما يدعو للتفاؤل، بأنه سيستعين بالمثقفين من داخل الأندية وخارجها لإعداد خطة وبلورة رؤية تقوم عليها الإدارة. ووعد بأن تخرج لائحة الأندية الأدبية قريبا، بشكل رسمي، وستبين آلية الانتخاب والاختيار وا لجمعية العمومية، وستكون مرضية للجميع. وفي المقابل يقع عليه الأمل من قبل مثقفين في أن يسهم تعيينه بتصحيح أوضاع الأندية الأدبية.
لكن هل هذا كاف لإعادة هيكلة البنية الثقافية الهشة للأندية الأدبية وتصحيح مسارها والنهوض بدورها وتفعيله أم يحتاج أيضا لتهيئة الظروف الملائمة لهذه العملية الحيوية، حتى لا يستمر سيناريو تعيينات الوزارة دون طائل.