هناك من يتساءل عن أزمة الإعلام المرئي - على وجه الخصوص - ولماذا تظل القنوات الرسمية مكانك راوح، خالية من الإبداع والتجدد.
هذا السؤال على وجه الخصوص وردني من الباحثة الأستاذة فوزية الحربي التي تحضر الدكتوراه في الإعلام، وطلبت مني إجابة علمية، فكانت إجابة موجزة، أحببت أن أتوسع بها في هذا المقال.
في ظني أن الإشكالية التي يعيشها إعلامنا الرسمي تكمن في البيروقراطية التي تسببت في عدم مقدرة من يمتلكون المواهب الحقيقية على تقديم ما لديهم من مواهب، فبيئة العمل التي تمر بالكثير من الروتين تتسبب في عدم إتاحة المجال للمبدع أن يقدم ما لديه، وكذا شعور الموظف - المتفرغ - بالأمن الوظيفي، وهو أمر مهم في نظري، لكنه يخلق درجة عالية من الاتكالية، فلو قامت القنوات الرسمية، وأقصد بها وزارة الإعلام التي تحولت الآن إلى هيئة للإذاعة والتلفزيون، لو قامت بعمل مكافآت إضافية ترتبط بالإنجاز والتميز، لخلقت دافعاً أكبر للإبداع، لأن الموظف مادام يشعر أنه سيستلم راتبه نهاية الشهر حتى لو أدى عمله بأدنى قدر من العطاء فإنه وقت إذ لن يحرص على أن يعمل بمهنية عالية، بل سيؤدي بأقل قدر من العطاء، وربما كان يعمل وهو يفكر في الوقت الذي سينهي فيه العمل، لأنه ربما مرتبط بمناسبات اجتماعية أخرى، بالذات لمن يعملون في غرف المونتاج على سبيل المثال في الفترة المسائية، وكذلك عدم وجود الحوافز والمكافأة تؤدي إلى وجود هذا الجو وأيضاً إلى حرص عدد من العاملين المتفرغين إلى البحث عن عمل آخر إضافي لتحسين دخولهم.
صحيح أن القنوات التلفزيونية الرسمية تغيرت من حيث الشكل والتجهيزات العالية لكن المحتوى يظل لا يراوح مكانه، ولكن ومع ذلك كله هناك أمل كبير في تحسين الأداء الذي يبدو أنه بعد تحويل قطاعي الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة بات هذا الأمر أمراً مؤرقاً بالنسبة للمسؤولين بها الذين أعرف شخصياً أنهم حريصون على تطوير الأداء وعلى خلق بيئة جاذبة تساعد على الإبداع، وهم في ذات الوقت حريصون على تدريب الموظفين والعاملين بهذا القطاع الهام.
أما القنوات الخاصة التجارية فمنها من تمكن من تحقيق انتشاراً عالياً، وأستطاع أن يكسب معلنين ويحقق دخولاً ومشاهدات عالية فهم يحرصون على العمل بحرفية من أجل الحفاظ على مكانتهم.
ونجد فعلا أن ما تقدمه هذه القنوات رغم قلتها يتميز بحرفية عالية، من حيث الإخراج والنص، وحتى المقدمين البارعين للبرامج، والقدرة على تمييز الوقت الذي يتناسب مع المادة المطروحة أو المحتوى المقدم، فمعرفة الأهمية في هذا الجانب أمر هام وتساعد على تحقيق الهدف وتقديم مادة إعلامية راقية، فالكتابة للصورة فن مستقل، يحتاج إلى مستوى عال من التأهيل والخبرة والتمييز بين المهم والأقل أهمية ودراسة حاجات المشاهدين، وأيضا دراسة نوعية المشاهدين المستهدفين.
يبقى الفن والإبداع
الإبداع في اعتقادي ظهر بشكل لافت بعد أن تحرر الشباب من القيود، واستطاعوا أن يجدوا الفضاء الإعلامي الذي يتيح لهم الفرصة بكل حرية، دون بيروقراطية أو اشتراطات صعبة. أبدع الشباب بشكل لافت للنظر بعد وجود اليوتيوب.
تأملوا معي البرامج الشبابية الموجودة على اليوتيوب وكيف تتميز عن غيرها، وكيف استطاع منتجوها من الشباب أن يقدوا برامج بأفكار جديدة وفي ذات الوقت باحترافية عالية وذات محتوى يتلمس حاجات الناس، وكثير منها بروح الفكاهة بكوميديا راقية، اعتقد أنها من كوميديا الفارص التي تعتمد على كوميديا الموقف.
حقيقة أنا شديد الإعجاب بما يقدمون، وقد استطاعوا أن يستقطبوا إليهم أعداداً كبيرة من المشاهدين والمشاهدات التي بلغت الملايين، فهناك قضايا كثيرة تطرق إليها هذه البرامج، محلية واقتصادية ورياضية، تميزت بالقالب الكوميدي الفكاهي القريب من الناس، والذي يتميز بالتلقائية المدروسة التي تجعلهم يصلون إلى الناس مباشرة، وفي ذات الوقت عندما يناقشون قضاياهم وهمومهم فإنهم بذلك يقتربون منهم أكثر، وقد بدأت هذه البرامج بجهود ذاتية لمجموعة أصدقاء يقومون بالصرف عليها بأنفسهم دون أي تمويل، لكنها بعضها الآن وصل إلى رعايات كبيرة من شركات تدفع لهم مبالغ مالية كبيرة، وأصبحوا يحققوا ربحاً عالياً، وهذا كله نتج من خلال الموهبة التي توفرت لها بيئة حرة للعمل، دون قيود، ولجان مشاهدة قد تتسبب في تعطيل ذلك المجهود الإبداعي الرائع.