الطفل ثروة، لكن إلى أي مدى تعي مؤسساتنا التربوية والتعليمية والثقافية والأدبية وقطاعنا العام والخاص أهمية استثمارها في بناء المستقبل بتوفير سبل التعليم والتثقيف والتربية السليمة؟
للأسف الواقع البائس هو خير من يجيب على مثل هذا السؤال، فلا أنشطة وفعاليات ذات قيمة تثقيفية وتربوية، ولا صناعة كتب ولا مكتبات خاصة للطفل أو أندية قراءة عدا حالات استثنائية مثل مكتبة الملك عبدالعزيز في الرياض.
فلا أحد ينكر مثلا ما يعانيه أدب الطفل لدينا للأسف من إهمال وقصور نجم عنه ندرة في كتاب الطفل. ورغم غنى تراثنا وحاضرنا بشخصيات محببة للأطفال غير أننا استعضنا عن تطوير أدوات الكتابة للطفل باستيراد كل ما هو مترجم، وكثيرا مالا ينسجم مع عاداتنا وقيمنا المعتمدة في تنشئة الطفل. وهذا ما وضعنا أمام عدد متنامي من التحديات التي تتولد نتيجة عدم اهتمام مؤسساتنا الثقافية والتربوية بأدب الطفل والرقابة عليه والضحية في النهاية هو الطفل الذي يتم خدش براءته وغزو فكريا تارة عبر الرسوم المتحركة وتارة عبر ما يتم ترجمته من قصص لا تخلو من أفكار منحرفة تتنافى والقيم الإنسانية والفطرة السليمة .
ومن ذلك ما أثير مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعية حول وجود مقطع من قصة «الأميرة وجلد الحمار»، لا يخلو من محاولة تكريس فكر شاذ منحرف لدى الطفل. وهو أمر إن تأكد وجوده فهو مؤشر خطير على غياب حس المسؤولية لدى مسؤولي المكتبة التي سمحت ببيع هذا النوع من القصص للأطفال، كما يؤشر على غياب الرقابة من قبل وزارة الثقافة والإعلام على رغم أهمية قيامها بهذا الدور تجاه هذه الفئة العمرية بالذات .
فتلمس حاجات الطفل المعرفية واشباعها بتوفير كتب الأطفال الثقافية والأدبية القائمة على عنصر التشويق وإثارة الفضول، والحوار المدروس والفكرة الواضحة، والقيم التربوية واللون والصورة الجاذبة جميعها محفزات ضرورية لتكريس حب القراءة مبكرا وسط عالم متدفق من المغريات والمسليات التي تتنافس في اجتذاب الطفل إلى عوالمها.
فلماذا لا تفيد مؤسساتنا الثقافية مثلا من دليل «المهتمين بثقافة الطفل السعودي» الذي صدر قبل أعوام قليلة متضمنا أسماء كتاب ورسامي أدب الأطفال في المملكة ودور النشر ونوادي القراءة والمجلات والدراسات العلمية المتخصصة بأدب الطفل لتكوين نواة مشروع لدعم وتشجيع صناعة كتب موجهة للأطفال يتم اعدادها وفق خطط تربوية وتحت إشراف مختصين وتربويين وأدباء ورسامي أطفال يفهمون احتياجاته ويعملون على حماية حاجته للقراءة من بعض دور النشر التي لاهم لها سوى الربح، ما يصعب بالتالي حصول الأطفال من الأسر ذات الدخل المحدود على الكتاب.
فالطفل لدينا للأسف لا يعاني فقط من غياب الكتاب الجيد الذي يلبي احتياجاته المعرفية بسعر في متناول الجميع لكنه أيضا يعاني من غياب توفر وجود مكتبات خاصة وعامة، فالأطفال في دول العالم المختلفة يحظون بخدمات مكتبية متنوعة ، بل ويعتبر إنشاء مكتبات للأطفال من المهام الوطنية في كثير من الدول.
إذ أن المكتبات العامة تعتبر مراكز تعليمية تعين الأطفال على مواصلة التثقيف الذاتي كما تساعدهم في الوصول إلى مفاتيح المعرفة بجهد ذاتي ما يضاعف ثقتهم بأنفسهم وينمي حب المعرفة لديهم، فالمكتبات توفر مصادر معلومات مناسبة تلبي بعض حاجات الطفل ورغباته وميوله. ومن خلال اعتياده على زيارة المكتبة يتعرف الطفل على آلية استخدام المكتبات والمحافظة عليها وعلى مقتنياتها ويولد لديه رغبة في إنشاء مكتبة خاصة به. كما أن المكتبة تشجع التعليم المستمر لدى الطفل وتساعده في الحصول على أجوبة عن أسئلته واستفساراته من خلال استخدام مصادر المعلومات المتوفرة.
كما تهدف المكتبة للمساهمة في تطوير قدرات الطفل العقلية ومهاراته اللغوية والاتصالية والفنية والعلمية والاجتماعية وذلك من خلال خدماتها ومصادرها المختلفة، إضافة إلى غرسها عادة القراءة والمطالعة لديه. ومساعدته على تكوين عادات وسلوكيات اجتماعية سليمة كالتعاون والإيثار والصداقة والهدوء واحترام الآخرين وحسن التعامل مع الكتاب والمعلومة. إضافة إلى توفيرها مواد ووسائل الترويح المختلفة كالقصص والمسرحيات والأفلام الثقافية وأفلام الكرتون الموجهة والألعاب التعليمية وبرمجيات الحاسوب الترفيهية وغيرها.
وهنا أتساءل ماذا حصل بخصوص تصريحات الدكتور أحمد بن عبد الله بن خضير رئيس مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات السعودية في العدد 12080من صحيفة الشرق الأوسط قبل أكثر من عامين. بأن «جمعية المكتبات والمعلومات السعودية، شكلت فريق عمل لوضع نموذج لمكتبة الطفل سواء مكتبة مستقلة أو مدرجة مع المكتبات العامة. وسيرفع التقرير الخاص بذلك للأمير سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفخري لجمعية المكتبات والمعلومات، كذلك يبحث فريق العمل عن إيجاد منهجية للتعاون مع أقسام المكتبات والم علومات في الجامعات السعودية والدولية لتطوير المقررات الدراسية المتعلقة بمكتبة الطفل والحكايات القصصية المرتبطة بمنهجيات التعلم.
وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية تسعى لإيجاد التعاون المثمر في هذا المجال مع أصحاب المال والأعمال والمؤسسات الثقافية والتعليمية». وهل تحقق منها شيء؟
فإذا كانت مبادرة شبابية تطوعية بعنوان «طفلي يقرأ» والتي انطلقت في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي ويقوم عليها عدة أفراد تمكنت من الحصول على خصم يقدر بـ40 في المائة لكتب الأطفال من بعض دور النشر، وساعدت كما مؤسسها عويد السبيعي على تأسيس ما يزيد على 35 مكتبة طفل منزلية في مناطق مختلفة من المملكة خلال فترة وجيزة لم تتجاوز الشهر ونصف الشهر فكيف يمكن أن تكون النتائج لو تضافرت جهود عدة مؤسسات حكومية وأهلية؟