ومن المشاهد التي تستحق الفخر في معرض الكتاب لهذا العام تلك المنظومة المتكاملة من الخدمات والمميزات والتسهيلات التي تُقدَّم على طبق من ذهب للزائرين والزائرات، سواء على مستوى التقنية؛ كسهولة الوصول إلى عناوين الكتب ومعلوماتها ودور نشرها، حيث أبدع المنظمون في التوظيف التقني الذي تمثّل في العرض الإلكتروني، مما يتيح للمستخدم استعراض منشورات الدور المشاركة، الأمر الذي يسهم في سرعة وصول الزائر إلى عناوينه المطلوبة، إضافة إلى التواصل إلكترونياً مع الناشرين للحصول على النسخ التي قد تنفد، أو على مستوى الخدمات العامة؛ كتوفير الأماكن الواسعة والمطاعم وتأجير العربات والحقائب، وهي خدمات تستحق أن تُذكر فتُشكر، فقد جعلت زيارة المعرض سياحةً جميلةً يستمتع بها الزائر وحده أو مع عائلته، بل إنَّ تلك الخدمات تشجِّع على تكرار الزيارة، والدعاية لها، ولا تجعل القادم من خارج الرياض يندم لحظةً واحدةً على قطع المسافات لزيارة هذه الدُّرَّة التي تتزيَّن بها الرياض طوال عشرة أيام.ولأنَّ التطوير والتحسين لا يقومان فقط على ذكر المحاسن وإبراز الإيجابيات، بل لا بُدَّ من التوقُّف عند السلبيات وجوانب التقصير والأخطاء التي لاحظتها ولاحظها غيري مما قد ينغِّص شيئاً ما على الزائر سياحته الماتعة في أرجاء هذا المعرض المتألق، لأجل ذلك أشير هنا إلى بعض السلبيات، راجياً من المنظمين التنبه إلى هذه الأمور، والسعي إلى تجاوزها في المعارض القادمة؛ ليظهر المعرض في كامل حلته وتمام جماله وتألقه.
من ذلك ما ذكرته ولا أزال أكرره ويؤكِّد عليه كثيرون فيما يتصل بشأن (الأسعار)، فهي إشكاليةٌ حاضرةٌ في كلِّ عام، وعندي يقينٌ أنَّ هذه الإشكالية لا يمكن أن تحلَّ جذرياً ما لم يكن هناك وقفةٌ حازمةٌ جازمةٌ من وزارة الثقافة التي أحسب أنها غير عاجزةٍ عن ذلك، فبدلاً من أن يصبح الكتاب صناعةً وثقافةً أضحى تجارةً وتكسباً، ولا شك أنَّ غياب الرقيب واختفاء الحسيب هو الذي جعل بعض دور النشر تغالي في الأسعار في وضح النهار، وأتذكر أن إدارة أحد معارض الخارج - وأظنه معرض القاهرة الدولي للكتاب - منع إحدى دور النشر المعروفة بسبب تجاوزه الحد في الأسعار وتكراره مغالاته فيها، وليت وزارتنا المحبوبة تفعل الشيء نفسه وتنظر في النتائج، فليس أنجع من أن تضحي الوزارة بدار أو أكثر لتجعلها عبرة للآخرين.
ومن الأمور التي أتمنى الانتباه إليها مستقبلاً في المعارض القادمة سعي دور النشر إلى ترتيب الكتب المعروضة وتنسيقها بدلاً من البعثرة والفوضى التي تشتِّت الزائر وتشوِّه المنظر، وكان الأجدى على هذه الدور الفوضوية أن تضع لافتات فوق كلِّ زاويةٍ من زواياها يحمل اسم التخصص الذي تندرج تحته المجموعة من الكتب، وليت كلَّ دار تكشف في كلِّ عامٍ عن إصداراتها الحديثة وطبعاتها الجديدة، وكلُّ ذلك من شأنه أن يوفِّر الجهد والوقت على الزائر بصورةٍ كبيرة.
ومن الأمور التي خلطتْ فيها الوزارة عملاً صالحاً بآخر سيئاً ما رأيناه من تنظيمٍ جميلٍ للقاءات والأمسيات الثقافية التي أقيمت على هامش المعرض، فقد أسهمت في زيادة توهجه المعرفي وثرائه العلمي، وجعلت لياليه تنبض ثقافة وفكراً، غير أنني أدوِّن هنا ثلاث ملاحظات في هذا السياق، الأولى: أنَّ أغلب هذه المحاضرات والندوات التي كانت تعقد في تلك الأيام والليالي توجَّهت في خطابها إلى التخصُّص الدقيق، وهو ما يفقدها جمهوراً عريضاً كان يمكن أن تكسبه لو أحسن القائمون اختيار موضوع هذه المحاضرات.
أما الملاحظة الثانية فهي أنَّه رغم ما قدَّمته وزارة الثقافة والإعلام من جهدٍ كبيرٍ في تنظيم هذه المحاضرات والندوات إلا أنَّ قناتها الثقافية لم تبثَّها على الهواء، بل تجاهلت بعضها، ولم تُعِدْ بثَّها حتى بعد أن تقوم بمونتاجها، وهو أمرٌ يثير كثيراً من التساؤلات! وهذا يقودني إلى الملاحظة الثالثة التي تستغرب تقاعس القنوات التلفزيونية المحلية عن نقل هذا الحدث الضخم والمناسبة الحضارية التي تتشرَّف بها العاصمة وتفتخر باستضافتها في كلِّ عام، فباستثناء القناة الثقافية لم نجد من قنواتنا من يعطي هذه المناسبة الضخمة حقها من الأضواء، فمن يتابع القناة الأولى أو الإخبارية لا يرى أي أثر لتغطية لهذه الفعالية، وكان بإمكان المسؤولين في القناتين استثمارها وتسليط الضوء عليها، ولربما كانت فرصة لهما لتجديد ما تُقدِّمانه من برامج وحوارات تتكرَّر في كل وقتٍ ولا تُقدِّم جديداً ذا بال، ولا غرو أن انخفضت أعداد مشاهدي هذه القنوات التي لا تستثمر مثل هذا المنجز الوطني والحضاري لجذب المشاهدين ومعايشة واقعهم ومناسباتهم.
هذه بعض الهموم أنقلها بأمانة إلى وزارة الثقافة والإعلام التي أعلم يقيناً أنها لم تألُ جهداً في العمل على كلِّ ما من شأنه إنجاح هذه التظاهرة الثقافية المشرِّفة، حيث يشعر كلُّ مواطنٍ في هذا البلد المعطاء بالفخر لاستضافة عاصمته المتألقة هذا الحدث الحضاري الضخم، وكلُّ عامٍ والرياض تنبض فكراً وتتألَّق ثقافة.