مرات ومرات كثيرة ودائما نكتب عن انحسار الثقافة السينمائية في المنطقة العربية. وتحدثنا عن أن المهرجانات السينمائية سوف تغلق أبوابها لعدم وجود كم من الإنتاج السينمائي العربي كفيل بتغطية أيام المهرجان بشكل مشرف، أو إن إدارات المهرجانات سوف تضطر لعرض أفلام أجنبية أو أن الفيلم الأجنبي سوف يطغى كما ونوعا على مزاج المهرجان. وطغيان الفيلم الغربي يلغي ضرورة إقامة المهرجان السينمائي العربي أو الخليجي.
لقد أعلن في بيان مقتضب وبشكل مفاجئ عن تأجيل الدورة السابعة لمهرجان الخليج السينمائي الذي كان مقررا انعقاده في دبي بين التاسع والخامس عشر من شهر أبريل/نيسان من هذا العام. البيان كان مقتضبا ولم يعلن عن الأسباب، إنما جاء في البيان فقط جاء « يؤسفنا إبلاغكم عن تأجيل... لأسباب خارجة عن إرادتنا»
أصيب الشباب الذين كان المهرجان يرعى مواهبهم، أصيبوا بالخيبة!
هل الأسباب مالية؟ قطعا لا فالمهرجان كان يحضر له طوال عام من إبريل نيسان إلى إبريل نيسان! هل الأسباب تتعلق بحجم الإنتاج؟ هذا المهرجان خاص بأفلام الشباب القصيرة المدعومة والممولة من المهرجان نفسه إضافة إلى ما ينتج من تجارب جديدة قصيرة وتجريبية الاتجاه في كل بلدان الخليج!
هل الأسباب إدارية وخلافية! هذا يعد من الأسرار.
بشكل عام إن المهرجانات السينمائية في المنطقة يطغى عليها الجانب الإعلاني. سجادة حمراء وما يطلق عليهم نجوم السينما العرب، ولكن ثمة حقائق في كل تلك المهرجانات تكاد أن تكون غائبة عن الواجهة.
ثمة أسرار في طبيعة بعض المهرجانات وطبيعة قوى خارجية تهيمن على مساراتها الثقافية. وهو شأن خطير ليس فقط على مستقبل الثقافة السينمائية وهويتها ولكن الخطورة تكمن في أبعاد اللعبة، فأحيانا ما يظنه المتلقي حقيقة ثقافية إنما هو لعبة سياسية لها أبعاد قادمة.
هنا سوف تقتضي الضرورة العودة إلى فكرة نوادي السينما وتأهيل المتلقي على الثقافة السينمائية الحقيقية. هذه النوادي التي شكل وجودها إقامة المهرجانات السينمائية. تونس ليست غافلة عن اللعبة فهي تختار مديرا للمهرجان يتغير كل عام، وهذا انتباه غير عادي.
نحن نعد منذ وقت للمجلة الثقافية للجزيرة دراسة مطولة وموضوعية ومدعمة بالأرقام عن مهرجانات السينما في العالم وبينها مهرجانات المنطقة العربية. وستقدم لقراء الملحق في وقت قريب.
حدث تأجيل مهرجان الخليج لأجل غير مسمى له دلالته ليس فقط في مهرجانات السينما ولكن أيضا في مجالات الأدب والفكر ومسابقات الرواية وجوائز الشعر التي عليها الكثير من الملاحظات حيث لا يزال الواقع العربي والواقع الثقافي العربي واقعا عشائريا وقبلياً!
يضاف إلى كل ذلك، إن الإضطرابات السياسية في المنطقة والربيع العربي الدامس قد دفعت ودفع بظلالها على الثقافة والثقافة السينمائية. فالبلدان لم تعد فيها صناعة سينما، فالحالة الاجتماعية المتراجعة تتراجع بالضرورة عن متابعة السينما وقضاء وقت ممتع ليلا، إذ لم يعد الليل ليلا، ولم تعد السينما سينما. ولم يعد ثمة كم من الإنتاج يكفي لتغطية برنامج سينمائي مهرجاني.
المنتج العربي كيف له أن يغامر بأمواله لإنتاج فيلم لا توجد صالات سينما لعرضه. وكيف للناس أن يغادروا بيوتهم متوجهين نحو صالات سينما باتت مخيفة ومحفوفة بالمخاطر. والدول غائبة عن بلدانها.
في تاريخ العالم عندما تنهار الأوضاع السياسية أو في أحقاب أزمات إقتصادية تبرز الثقافة كقيمة إنسانية تشكل عاملا هاما في كشف الواقع الموضوعي وبالضرورة إحياء الأمل في النفس الإنسانية.
قراءة واعية للمشهد الثقافي في المنطقة العربية يؤكد لنا غياب الثقافة العربية عن حلم الإنسان وحلم الشعوب.
تأجيل مهرجان الخليج السينمائي، وقبل أربعة أيام فقط من إنعقاده، هو إلغاء وليس تأجيلا. وله دلالات كثيرة باعتباره مثلا لمشهد ثقافي كان يمشي على سجادة حمراء تم رفعها من الطريق المؤدي إلى صالة السينما وهو أمر مؤسف حقا!