تعود الإنسان منذ وجوده على الأرض في حقب التاريخ المختلفة على أعمال بدنية شاقة؛ يحتاج فيها إلى استخدام عضلاته على مدى ساعات النهار، وأحياناً أطرافاً من الليل.
وبعد أن ابتكر البشر وسائل للمساعدة في إنجاز الأعمال، أصبح يميل أكثر إلى الدعة، وزادت فترات الراحة لديه، كما نشأت بالتدريج بعض المهن التي لا تحتاج إلى جهد عضلي مميز. كل تلك التطورات أدت إلى بحث أعداد كبيرة من الناس عن وسائل تعويضية لتحريك العضلات، التي لا بد أن تميل إلى الترهل إن لم تبق في حراك مستمر.
ومع الزمن انتشرت أفكار الحركة الضرورية لبقاء جسم الإنسان حيوياً، وهي ما أصبح يُعرف في تاريخ الإنسان لاحقاً بالرياضة. وهكذا تطورت الرياضة في حقب تاريخية متتالية، لتكون في العصر الحديث؛ وبدءاً من القرن العشرين الميلادي على وجه الخصوص، مؤسسات كبيرة يتعاظم دورها، وتتوسع دوائرها، لتصبح صناعة، ومجال مهن متعددة في التصنيع والتنظيم والتعليم والتدريب، والإعلام والترويج لكثير من المنتجات إضافة إلى الممارسات الرياضية والنجوم الذين أصبحوا يتقاضون كثيراً من الأجور، ويحصلون على المزيد من الجوائز والمكافآت.
بالطبع هناك من يمارس الرياضة -سواء كان نجماً أو محترفاً أو غير ذلك- ويوجد غيره يستمتع بمشاهدة أي من الرياضات ومتابعتها، وعلى وجه الخصوص الألعاب الممتعة التي لها شعبية بين الناس؛ فيتسلى الناس بمتابعة نواحيها الفنية، وجوانب القوة والإبداع عند المشاركين فيها. وربما تكون هذه الفئة هي الغالبة بين شعوب الأرض في الوقت الحاضر، وبصورة أخص ربما تكون كرة القدم قد احتلت المرتبة الأولى في هذا الشأن. فقد أصبح نجوم هذه الرياضة من أكثر المشاهير بروزاً، ومن أكثرهم طلباً في الدعايات لدى أصحاب وسائل الإعلام المختلفة، بسبب شعبيتهم الجارفة.
ففي إطار هذا النوع من البشر يبقى الأمر طبيعياً، طالما كان ممتعاً لأصحاب المشاهدة والمتابعة؛ وإن كان أقل فائدة للبدن من ممارسة الرياضة نفسها. لكن ما ليس طبيعياً هو نوع آخر ينشأ في بعض المجتمعات المقلدة لمتع الرياضة. إذ توجد حالات مرضية من المتابعة والمشاجرة بين متابعي الفرق المختلفة؛ لا تمت بأي صلة إلى المنافسة الرياضية الشريفة، ولا إلى الإبداع والفن اللذين يقترنان في الحالات الصحية بالرياضة في الإطار السليم. حيث يكون التركيز لدى أصحاب تلك الحالة غير الصحية على أفراد بعينهم لأشخاصهم من الفريق المفضل أو من أي من الفرق المنافسة، وتضخم الحسنات والصفات، أو الأخطاء والهنات لدى لاعبي الفرق الأخرى بغرض المناكفة أو التحدي والخصومات اللفظية وخلق الشحناء بين الناس من خلال مفاخرات فارغة؛ لا دور لمن يفتخر فيها بأي شيء فعله، ولا يكون الانتقاص من أداء الآخرين من خلال تقويم فنون اللعبة نفسها.
ما زالت ترن في أذني مقولات بعضهم: «هزمناكم في كذا عدة مرات...»، أو: «فزنا على عدد من الفرق، وأخذنا البطولة رغم الحكام...»، إلخ. تلك البطولات الوهمية لأصحاب المهايطات في المجالس أو المقاهي، بل وفي كتابات وتحليلات يقال عنها أحياناً بأنها رياضية. مللت عدداً من المجالس بسبب بعض تلك المناكفات. فهل هذه الظاهرة في سبيلها لتأسيس عقائد رياضية لدى فئات من ذوي العقول الخاوية؟ فكل منهم عليه أن يختار ما يلائم معتقده من الفرق الرياضية، وما يمكن أن يملأ عليه وقت فراغه، لكي يحفظ أسماء اللاعبين، وتواريخ حصولهم على البطاقات الملونة، وعدد مرات صراخ رئيس النادي أو مدربه، وربما عدد مرات تجاوز الحكام عن ضربة جزاء يظنها مهدرة.. ثم يظن بأنه يستمتع بالرياضة.