أن تقترن كلمة (حرة) مع كلمة (كتب) بل وكتب عربية أيضاً، يلفت النظر بلا شك ويستدعي البحث والتقصي ومحاولة معرفة المزيد عن حكاية (حرية الكتاب العربي)، وبمجرد طرق باب هذا العالم الثري لن تعرف كيف توقف كم المعلومات الذي سينهال عليك، ستفاجأ بأن الحكاية تحوي مشاهد من حراك شبابي مهتم وجهد واجتهاد وعمل دؤوب خدمة للفكرة وإيماناً بأهميتها.
ستعترضك مصطلحات جديدة، وستتبسم لجهد شبابي جمع أرواحا ملهمة من مختلف أنحاء الوطن العربي بل ومن خارجه حملوا على عاتقهم مسؤولية نشر الثقافة الحرة آمنوا بها وعملوا لأجلها، عالم من المتعطشين للمعرفة. تلك الجهود العربية يختزل حكاية اهتمامها موقع (كتب عربية حرة) librebooks.org ، الموقع الذي يعد منصة لجمع وتوفير الكتب العربية المرخصة برخص قانونية حرة ولا يهدف لإثراء المحتوى العربي فحسب بل يؤمن بالتعريف بالكتاب الحر كما يشجع على إنتاج الجديد منها وإعادة إنتاج المحتوى الجيد.
(الثقافية) التقت أحمد م. أبوزيد من فريق عمل موقع كتب عربية حرة ليروي الحكاية ويرسم مشاهدً من جهد المهتم أو كما يصف الموقع بأنه لم يكن ليوجد إلا بمجهود آلاف المؤلفين، والمراجعين، والمدققين، والناشطين، وغيرهم ممن يساهمون بإتاحة المعرفة والوصول الحر لها موضحاً أن الموقع يهدف للتعريف بالرخص القانونية في عالم الكتب الحرة وكيفية المساهمة في نفض الغبار عن المميز منها والذي اندثر بين طبقات الإنترنت مضيفاً أن للترجمة نصيبا من الرعاية حيث يسعى الموقع لإنتاج وترجمة الكتب الحرة من اللغات المختلفة بالإضافة إلى تقديم الدعم ومساعدة للأشخاص المهتمين بإنتاج كتب حرة.
وعن البداية والمصاعب والأحلام أوضح أبوزيد لـ(الثقافية) أنه مع تزايد المحتوى العربي الحر والمرخص برخص قانونية أتيحت المزيد من الحريات بخلاف أسلوب «جميع الحقوق محفوظة»، حيث ظهر خلال السنوات الأخيرة عدد من الكتب الحرة في مواضيع متنوعة، لكن أغلبها ترتكز على جهود فردية والتي يمكن أن تكون أفضل بقليل من الدعم المجتمعي، مضيفاً أن هناك كتباً رائعة لكن تاهت في طي النسيان أو لم تحصل على حقها الكافي من الانتشار لهذا كان لابد من وجود موقع يقوم بهذه المهمة عوضاً عن لعن الظلام والتباكي على سوء حالة المحتوى الحر والمحتوى العربي بشكل عام مشيراً إلى أن الموقع تخطى المصاعب بمساعدة المجتمع المعني بالبرمجيات الحرة والثقافة الحرة، حيث إنه مجتمع متعاون، الجميع سعداء بالمساعدة لأن الكل يستفيد في النهاية.
وبسؤاله عن معرفة المزيد عن الرخص القانونية الحرة أفاد أن توضيح ذلك من أوائل أهداف الموقع، حيث يتساءل الكثير حينما يسمعون كلمة ثقافة حرة أو كتب حرة عن معناها وماهيتها؟ مشيراً إلى أن قانون حقوق الملكية الفكرية في أغلب إن لم يكن كل الدول حالياً يقوم على أساس أن من يقوم بإنتاج أي عمل فكري مثل الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والشعارات وغيرها ، وبناء عليه يكون لديه كامل السلطات و»جميع الحقوق محفوظة» له، ومن يود استخدام هذا النتاج الفكري يجب أن يحصل على إذن صريح منه في المقابل هناك من يريد مشاركة عمله مع آخرين لذا كانت هذه الرخص الحل الأمثل لذلك عبر تحديد الاستثناءات في مشاركة الحقوق و بتنويعات مختلفة. ومن الجدير بالذكر أن رخص المحتوى الحر - وفقاً للموسوعة الحرة (ويكيبيديا) - تندرج تحت ما يعرف في الإنجليزية باسم copyleft - لعب لفظي ومعنوي على كلمة copyright - وهي رخص تشترط أن تنشر كل الأعمال المشتقة من العمل الأصلي بذات الرخصة الحرة المنشور بموجبها العمل الأصلي.
والكتب الحرة هي إحدى نتائج الثقافة الحرة وهي حركة لها جذور قديمة لكن ظهرت معالمها في أوائل الألفية الثانية حيث ساهم انتشار الإنترنت في انتشارها وظهور تأثيرها وأهميتها - حسب قوله- فهي ليست كتباً دون حقوق ملكية فكرية إنما هي كتب ذات قيود أقل يقوم صاحب الكتاب بتحديد ما يود مشاركاته مع الغير وذلك بطريقة سهلة وقانونية وهذه الحركة ظهرت بناء على أن للجميع الحق في المعرفة والثقافة بغض النظر عن أصولهم ومستوياتهم المادية مضيفاً أنه في كثير من الأحيان نجد عديداً من الأشخاص يستعملون مواد حرة ولكنهم لا يعرفون ذلك، على سبيل المثال تُستخدم موسوعة «ويكيبيديا» على نطاق واسع عربياً، لكن هل يعرف كل من يستخدمها أنها موسوعة «حرة»؟ ويمكن استعمال محتواها بحرية أو حتى المساهمة بها وإضافة معلومات لها؟ في الواقع هذا الأمر متكرر على نحو كبير خصوصاً عربياً، لهذا من المهم أن يعرف من يستخدم مواد حرة أنها كذلك، فإذا لم يعرف كيف نتوقع أن يعرف أهميتها أو يشارك بها؟ لهذا كان من الواجب مع تجميع هذه المواد أن يوجد مكان يعرف بها وأهميتها.
وبالحديث عن أي المجالات أكثر ازدهاراً في عالم الكتب الحرة أوضح أبوزيد أنه وفقاً لإحصائيات الموقع وحتى اللحظة التي أجيب فيها عن السؤال أغلب الكتب العربية الحرة هي كتب تقنية أو تتحدث عن التقنية، وسبب هذا بشكل رئيسي أن أغلب الأشخاص عرفوا الثقافة الحرة من خلال البرمجيات الحرة والمصادر المفتوحة أما عن تفاعل الجمهور مع الموقع أكد أبوزيد أنه كان مميزاً ليس فقط من طرف القرّاء، بل من طرف مؤلفي الكتب أيضاً، حيث قام بعض المؤلفين بمراسلة الموقع لنشر كتبهم، ويبلغ عدد الكتب على الموقع حتى الآن ثلاثين كتاباً ذي جودة عالية متاحة للتحميل بشكل قانوني تماماً، ويوجد ما يقرب من مثل هذا العدد لم ينشر بعد وجاري العمل على النشر والتواصل مع المؤلفين لتحديث وتنقيح كتبهم. كما يقوم الفريق عادة بتقديم النصائح للمؤلف حول الشكل الأمثل لمحتوى الكتاب، التنسيق والإخراج الفني الخاص به، الغلاف، مراجعة الكتاب مراجعة إملائية ولغوية.
(كتب عربية حرة) إنجاز يستحق الاحتفاء به فبرغم حداثة بناء المنصة إلا أنه ومنذ لحظة إطلاق الموقع في أواخر أغسطس / آب 2013 م وحتى الآن يحوي ما يقرب من 50 ألف زائر، 50 ألف تحميل، وأكثر من 140 ألف مشاهدة والموقع كما وصفه أبوزيد قائم في الأساس على فكرة «الثقافة الحرة» والتي تتمحور حول التشارك لإنتاج مواد ذات جودة عالية، تشمل جميع أشكال الإنتاج الفكري من مكتوب ومسموع ومرئي فلاشك أنه إنجاز جماعي بامتياز.