تظل الثقافة تمارس عملها السلبي المضاد لكل سمة مؤنثة، بدءاً من منح العقل والحكمة للرجل دون المرأة ومروراً بتخصيص الشجاعة والكرم له، حتى قالوا: يحمد للمرأة البخل والجبن، وإذا طال لسان الرجل بالشعر سموه فحلاً، أما الفحلة فهي سليطة اللسان، وقد عرضت لهذا كله في كتابي المرأة واللغة، وما تلاه من كتب في السلسلة نفسها.
وفي توريقات متتالية سأعرض بحول الله إلى مظهر نشترك كلنا في صناعته، حتى من النساء التي تصف الواحدة منها نفسها بأنه رئيس كذا ووزير كذا، أو أنها ليلى الشمري وهند الخطيب، بتناقض بين الاسم الأول المؤنث والثاني المذكر، بينما لهن جدات مثل حليمة السعدية وليلى الأخيلية، وشعبياً تتسمى النساء بتسميات مؤنثة، ويسود ذلك في البيئات الشعبية بعامة، ولكن المرأة الحديثة جنحت لأن تضع نفسها في صيغة ذكورية، أسماء وصفات، وكل من مارس البحث العلمي وجد حرجاً في طريقة الإحالة المرجعية حيث الغالب فيه الإحالة إلى الاسم العائلي، فالدكتورة خيرية السقاف والدكتورة ثريا التركي ستحيل إليهما مرجعياً باسم السقاف والتركي، ولن يشعر الناظر في بحثك أنهما امرأتان إلا لو ذكرت الاسم الأول على عكس الجاسر والأنصاري مثلاً، حيث يتطابق الاسم مع مدلوله دون تضارب دلالي، وأخص الإحالات المرجعية لأنها هي الشرارة التي فتحت الأسئلة عندي قبل عقود، وظللت أقارن هذا الملحظ مع اسم أمي التي عرفها الكل بالجهنية، وكنت أقول لنفسي لو كانت أمي أستاذة في الجامعة فسيسمونها الدكتور فاطمة الجهني، أستاذ مشارك في كلية العلوم الإنسانية، وستفقد اسمها المؤنث وستفقد علامتها الوجودية، وهذا هاجس حرك عندي الانشغال بالأسماء المؤنثة وضرورة تحقيق أنوثة المؤنث ورفع الضيم عنها بدءاً من علامتها الأولى، وسأتناول هذا بعدد من التوريقات تتابع بعد هذه.