يقول كونديرا: «إن الرواية التي لا تكشف جزء من الوجود هي رواية لا أخلاقية» وأراني أتفق معه حقيقة في ظل الوضع الحالي من وفرة في الإنتاج وسقوط في التكرار، ورغم غزارة الإنتاج إلاّ أن هنالك ضعف في الإصدارات القصصية وتراجع للشعر واختفاء للمسرحيات..يقول أيضا الأديب الفرنسي موباسان رائد الكتابة القصصية، «العمل الفني لا يكون متفوقاً إلا إذا كان في الوقت نفسه رمزاً وتعبيراً صحيحاً عن حقيقة» والحقيقة التي يتحدث عنها هي حقيقة الوجود وكل ما يلامس كينونة الإنسان، ويجعل القارئ يشاهد الوجود بعين وروح الكاتب.
عندما ضعفت الأقلام والعقول في عصر العثمانيين والمماليك وانغمسوا في الحياه السياسيه والاجتماعية، وأهملوا دور الأدب نشأ ما يُسمى بـ» عصر الاجترار» وهو عصر سقوط الأدب وانخفاظ قيمته, واتّسم المجتمع في تلك العصور بالقلق وعدم الاستقرار والتدهور في مختلف نواحي الحياة وضعفت الأخلاق وخمدت الحميّة وهذا أدى إلى حرمان الأدباء من الثقافة العميقة والمعرفة والعلم. فاتسم أدبهم عموما بالسطحية سواء أكان شعرا أم نثرا.
والمتمعن في الأعمال العربيه بشكل عام يلاحظ سقوطها في بحر التكرار والوهن في المحتوى وضعف الخيال, وتفّوق الأعمال العالميه المترجمة عليها.
ولا نُغفل دور «دُور النشر « فهي ساهمت بشكل مباشر في ضعف الذائقة الأدبية لدى القارئ من خلال تركيزها على نوع أدبي واحد على حساب أنواع أخرى كالقصة والمسرحية، لدرجة أن هنالك «دور نشر» اختصت فقط بالرواية دون غيرها..
والملاحظ من خلال الإحصائيات لمعارض الكتاب المحلية تقّدم مبيعات الأعمال المترجمة سواء اعمال روائيه أو قصص أو كتب علمية أو تنمية ذاتيه، رغم أن مجرد حصول الكتاب على صدى إعلامي أو مركز متقدم في تقييمات المبيعات لا يعني أنه كتاب ذو قيمه فنيّة عالية.
لكن ذلك يؤكد تقدم الأدب العالمي على المحلي, فالكثير من الجمهور استسهلوا عملية الكتابة والنشر، وخصوصا النوع الروائي اعتقادا منهم أن مجرّد توافر جميع العناصر الفنية للعمل قد يجعل منه عمل ناجح، في ظل تجاهل كبير للخيال الخصب والتمتع بثقافة عالية وقدرة على قراءة الماضي والمستقبل والتمتع برؤية حكيمة وقادرة على إصابة القارئ بالدهشة، وأصبحت أغلب الإصدارات الحالية مجرد منبر للبوح أو للتهكم أو مجرد السرد بعيدا عن البصمة الذاتية للكاتب للعمل سواء كان رواية أو قصة أو مسرحية أو شعرا, ووقعت جميعا في بحر التكرار، في ظل فقر معرفي وتدنٍ في الصياغة, ومحدودية النظرة، وهنالك بالتأكيد الكثير من الكتّاب رسّخوا بأذهانهم فكرة واعتقاد أن العمل الروائي أهم من الفنون الأخرى كالقصّة وهذا سبب مهم لاختفائها من المشهد، فالقاص فنان مستقل ذو إمكانيات خاصّة عكس الاعتقاد السائد بأنه أقل بدرجة من الروائي، رغم أن في العام 2013 حازت القصة لتكريم من أكبر محفل أدبي عالمي وهي جائزة نوبل لكاتبة القصة القصيرة، الكندية «آليس مونرو « ليحيي نوعاً أدبياً كان النقاد لا يزالون يصرون على تهميشه والتقليل من قيمته ومن تأثيره. مونرو قالت حين حصولها على الجائزة: «أنا لا أفهم كيف لا يعبّر الكاتب عما بداخله في سطور قليلة» وذلك وصف لفن القصة مقابل الرواية، أيضا اللوم يقع على الصحف المحلية بعدم تبّني كتاب قصص شباب، فالصحف كانت هي المنبر للنشر وذلك تراجع غالبا بسبب الثورة التقنية والمواقع المجانية، أو انعدام للمردود المادي، أيضا يوجد تواطء للجوائز العربية لتمجيد الرواية وترسيخ لفكرة أن هذا هو «زمن الرواية» وأن زمن القصة قد انتهى، لكن الحقيقة أنه لا يوجد فن أدبي يطغى على الآخر، ويعتبر يوسف إدريس هو أمير القصة في العالم العربي فلقد استطاع تثبيت أقدام القصة القصيرة ونقلها من المحليّة إلى العالميّة، حيث اختار موضوعاتها من حياة الإنسان العربي المهمّش، فخلق قصة عربيّة، بلغة عربيّة مصرية قريبة من لغة الإنسان العادي وبذلك نقلها من برجها العاجي إلى لغة التخاطب اليومي، ومن أشهر الكتاب السعوديين في مجال القصة القصيرة عبدالله باجبير وعبد القدوس الأنصاري وحمد العيسى وعبدالله حسن آل عبد المحسن (كاتب مسرحي) وغازي القصيبي.