الصحوة تخسر خصمها
كانت الصحوة واهمة حين اختارت الحداثة خصما أوليا لها، وكل الشواهد تدل على أن معارك الصحوة معنا كانت تتكسر واحدة تلو أخرى، ليس لقوة فينا ولكن لضعفنا، وهو ضعف ندركه نحن وغاب عنهم، ولذا تغيرت أسلحة المعركة فهم يجابهوننا بالحشود، ونحن نقابلهم بالاستماع لهم والتعامل مع أسئلتهم ومن ثم أخذها مأخذ الجد والتعامل معها على أنها أسئلة علمية وليست استفزازية، ومن هنا جرت تهدئة الحشود مع كل مواجهة منبرية بما أنهم يرون أمامهم خصما لا يمارس عضلاته، ولكنه يستعين بعقله فقط وبطرح حجة لا يصر عليها بقدر ما يحاول إيضاحها، ومن هنا حدثت كارثة الصحوة، حيث فقدت نظرية العدو الذي تنعكس عداوته لتكون مادة لقوة التيار وتوحيد صفوفه بدعوى رساليته وتصديه لخطر داهم، وهذا ما حاوله صاحب الشريط وصاحب كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) ولكنهما لم يفلحا في توحيد الصفوف إلا لفترة محددة غلب عليها الاستقبال الحماسي، ثم أخذ بالتراجع التدريجي، لأن الهدف أتقن المراوغة وتجنب السهام، ولقد كان الشريط والكتاب هما قمة المواجهة والتحفز، ومن المؤكد أن بلوغ القمة يعني بداية الهبوط، وبدا على الصحوة أنها استنفدت طاقتها المعنوية، بما إنها فقدت فعليا خصمها الذي تتكئ على دعواها فيه لتبرر منطقية وجودها كقوة تحمي المجتمع من خطر مبيت، وتبين أن هذا الخصم ليس بذلك الشيء المزعوم عنه.
** ** **
نُشر سهوًا رقم الحلقة الماضية على أنها «الحادية والعشرون» وهي «الثالثة والعشرون».