غرستُ في منزلي (دارة الغضا) عشرين فسيلة نخلٍ بواقع فسيلتين من كلِّ صنِّفٍ فاخر، ورتَّبتُها الهجائي باتجاهين اثنين بحيث أعرفهما لو اضطررتُ لاستبدال إحداها قبل إثمارها، وبعد عامين وتحديداً في عام 1433هـ أثمرتْ معظم تلك الفسائل لأولِّ مرَّة فسعدتُ بذلك كثيراً؛ ولأنِّي أحد روَّاد خميسيَّة الأستاذ الشاعر عبدالعزيز بن محمَّد القبيِّل ضحىً في مزرعته قبل تقاعدي ومنتداه اليومي بعد تقاعدي استعنتُ به -بالرغم من تندُّره على ترتيبي لها هجائيّاً- كخبير في زراعة النخيل لأربعين عاماً فسألتُه ماذا عليَّ فعله مع غرائسي؟، فزوَّدني بخبراته وبعضاً من طلع فُحَالِ النخل لتلقيحها شارحاً لي الطريقة فالتزمتُ بها وأنجزتُ المهمَّة، ولكنِّي فوجئتُ في اليوم التالي بسماعي أنيناً صادراً من فناء دارتي فتتبَّعته فعرفتُ مصدره فكان أن كتبتُ القصيدة التالية:
سَمِعْتُ غَرَائِسِي تَبْكِي وَتَشْكُو
وَتَنْدُبُ حَظَّهَا وَأَسَى اللَّيَالِي
وَحِيْنَ سَأَلْتُ عَنْ أَسْبَابِ هَذَا
أَجَابَتْنِي بِدَمْعٍ كَاللآلِي
وَقَالَتْ كَيْفَ تَسْأَلُ؟ أَنْتَ أَدْرَى
بِمَا فِيْنَا وَلَكِنْ لا تُبَالِي
لأَنْتَ مَع القُبَيِّلِ (1) يَومَ أَمْسٍ
أَتَانَا مِنْكُمَا سُوءُ الفِعَالِ
فَقَدْ لَقَّحْتُمَانَا مِنْ لُقَاحٍ
ضَعِيْفٍ قُصَّ مِنْ هَرِمِ الفُحَالِ
كَأَنَّكُمَا تُثِيْرَانِ احْتِجَاجاً
لِفَقْدِكُمَا الشَّبَابَ عَلَى التَّوَالِي
فكَانَتْ أُمْنِياتُكُمَا شُعُوراً
يُنَشِّطُ مَا يُنَشَّطُ لِلْوِصَالِ
لَقَدْ أَخْطَأْتُمَا أَمَلاً وَفِعْلاً
كَمَا جَاوَزْتَمَا حَدَّ الخَيَالِ
إِذَا لَمْ تُجْدِ طَبْخَاتُ المَشَارِي (2)
بِمَا يَرْجُوه فِي الحُقَبِ الخَوَالِي
فَكُفَّا أَيُّهَا الشَيْخَانِ عَنَّا
فَمَا يُجْدِي التَّطَلُّعُ والتَّعَالِي
سَنَسْتَفْتِي أَبَا سَارٍ (3) بِهَذَا
فَشَيْخُ البَدْوِ فِي الفَتْوَى مِثَالي
وَنَسْأَلُ عَمَّكُمْ حَمَدَ ابْنَ خِرْبٍ (4)
خَبِيْرَ النَّخْلِ أَنْعِمْ بِالمُوَالِي
لَعَلَّ لَدِيْهِمَا رَأْياً سَدِيْداً
فَهَذَا الأَمْرُ لَيْسَ مِن التَّسَالي
وَإِلاَّ سَوفَ نَرْفَعُه بِدَعْوَىً
يُحَقِّقُ فِيْهِ أَصْحَابُ المَعَالِي
وَزِيرُ زِرَاعَةٍ يَحْمِي حِمَانَا
مُعِيْنُ الزَّارعِيْنَ بِبَعْضِ مَالِ
وَمَنْ يَحْمِي النَّزَاهَةَ عَنْ فَسَادٍ
فَدَعْوَانَا يَرَاهَا فِي المَجَالِ
فَإِنْ لَمْ يُنْصِفَانَا وَهْوَ أَمْرٌ
بَعَيْدٌ إِذْ يُظَّنُّ مِن المُحَالِ
سَنَحْصِبُكُمْ جَمِيْعاً ذَاتَ فَجْرٍ
بِأَدْعِيَةٍ عَلَيْكُمْ وَابْتِهَالِ
وَنَقْنُتُ سَائِلِيْنَ اللهَ فِيْكُمْ
عِقَاباً رَادِعاً بَعْدَ السُّؤَالِ
فَيَحْرِمُكُمْ تُمُورَ الخِرْبِ عَاماً
وَمِنْ بُنِّ الزَّعَيْمِ (*) أَبِي الجِدَالِ
كُلُوا حَشَفَ القُبَيِّلِ وَاسْتَغِيْثُوا
لِعَامٍ وَاشْرَبُوا مَاءَ الزُّلالِ
فَإِنْ ضِقْتُمْ بِه نَوعاً وَطَعْماً
فَصَبْراً فِي العُقُوبَةِ كَالرِّجَالِ
** ** **
(1) الأستاذ الشاعر عبدالعزيز بن محمَّد القبيِّل الذي صقل تجربتي الشعريَّة من خلال تتلمذي على يديه منذُ 45 عاماً.
(2) الأستاذ عبدالله بن محمَّد المشاري التربويُّ والمؤرِّخ الذي زاملتُه مشرفاً تربويّاً عشرين عاماً، المجيد الطهي الصِّحيّ بإضافاته البهاريَّة المستمتع بذلك في اللقاءات الشهريَّة المسائيَّة لروَّاد منتدى القبيِّل تقديراً لأستاذه القبيِّل وعرفاناً بأستاذيَّته له في المرحلة المتوسِّطة.
(3) الأستاذ محمَّد بن ساري الحربي الضليع لغوياً وفي علومٍ إسلاميَّة بلغ بها درجة المفتي، والذي زاملتُه منذ دراستنا الجامعيَّة منذ 40 عاماً.
(4) الأستاذ حمد بن عبدالرحمن الخرب المشرف التربوي المتقاعد، والخبير بأنواع النخيل وبتمورها تبريداً وضمداً، فلطالما أتحفنا بأنواعٍ فاخرة من تمور مزرعته وبخاصَّة من نخلته المسمَّاة عسيلة، فتذوَّق المشرفون التربويُّون جميعاً عسيلته مرَّات ومرَّات.
(*) الزَّعيم لقبٌ لشاعرنا الأستاذ عبدالعزيز بن محمَّد القبيل خاطبتُه به شعراً ذات يوم فأصبح بعد ذلك له لقباً معروفاً بين روَّاد منتداه الذين يستمتعون بحواراته اللغويَّة والفكريَّة والأدبيَّة التي يستحيل بعضها لجدال ممتع مفيد، والجدير بأن تستكتبَه المجلَّة الثقافيَّة شعراً ومقالةً نقديَّة، أمل أطرحه بين أنظار أخي أبي يزن الدكتور إبراهيم التركي مدير تحريرها.