في (14) مجلداً، لفضيلة الشيخ أ.د. عبدالله بن محمد ابن أحمد الطريقي، طبع الكتاب في عام (1433هـ)، وقد استغرق من بداياته الأولى إلى صدوره أكثر من ثلاثين سنة، يضم أكثر من سبعة آلاف ترجمة محققة وموثقة، وهو بحق موسوعة رائدة، بتحريرات رائعة، وجمع عجيب لا نظير له، أعتقد أنه سيكون للناس إماماً، في تراجم الحنابلة، والنجديين.
جاءت الموسوعة واثقة الخطى، بلا ضجيج، وقد عجبت من عدم انتباه كثير من المهتمين بالتراجم الحنبلية والنجدية لهذه الموسوعة، بل بعضهم يظنها «معجم مصنفات الحنابلة»؛ المطبوع عام (1422هـ)، في (8) مجلدات.
وهذه معالم يسيرة عن الموسوعة:
1. أخذت المقدمةُ المجلدَ الأول كاملاً، وفيها عِلْمٌ لا يوجد في المداخل للمذهب الحنبلي؛ بدأ في المقدمة بذكر سبب التأليف، وهو ورود أعلام في بعض كتب ابن رجب التي حققها الدكتور، وكان يشكل عليه كثيراً تحديد بعض الأعلام، لوروده بلقبه أو كنيته، مع وجود مشابه له... وفي عمله في مصنفات الحنابلة وجد أعلاماً لم يترجم لهم.
2. تضمن الكتاب تراجم لم يسبق إليها.
3. حوى تعقبات كثيرة لمن سبقه في تراجم الحنابلة.
4. تضمن تارجم الحنابلة من سنة 301هـ إلى نهاية 1432هـ، ويمكن أن يُعتبر تذييلاً على آخر كتاب عن طبقات الحنابلة، وهو «السحب الوابلة» لابن حميد (ت 1295هـ)، الذي ترجم لمن عاش بين (751هـ و1291هـ)، وكتاب د. الطريقي أضاف من سنة (1291هـ إلى 1432هـ)، ما يقرب من ألفي ترجمة.
5. مجموع التراجم (7047) ترجمة: الحنابلة منهم (6560) ترجمة، ومن تُرجم في كتب الحنابلة وتبيَّن للمؤلف أنه غير حنبلي (144) ترجمة، ومن تُرجم له، ولم يظهر للمؤلف أنه حنبلي (343) ترجمة.
6. رتب التراجم حسب الوفيات، وفي السنة الواحدة حسب الأبجدي.
7. التراجم محررة جداً، ومركَّزة على المعلومات الأساسية في الترجمة، على نهج الدراسات الأكاديمية، والعادة أن مريد اختصار ترجمة لبحثه يحتاج وقتاً لاختصارها من الأخبار الواردة فيها؛ لكن كتابنا هذا هيأ الترجمة بطريقة يصعب عليك اختصارها؛ فكتابه نموذج يحتذى للترجمة إلا في تركه لمؤلفات المترجم؛ اعتماداً على كتابه الأول «معجم مصنفات الحنابلة».
8. عانى المؤلف كثيراً من الإبهام والمشتبه في التراجم، وكذا في تحديد سنة وفاة بعضهم.
9. من إبداعه في كتابه أنه ربط بين المترجم وأبرز أقاربه من آبائه وأجداده، وأولاده وأحفاده؛ لضبط البيوت الحنبلية، وبيان صلة ما بينهم؛ قال: «وقد مكنني من ذلك مشجر وضعتُه لكل أسرة علمية؛ وقاية عن الخطأ والوهم».
قلتُ: وكأني أرى رجلاً سيجمعها في رسالة «بيوت الحنابلة» أو «الأسر العلمية الحنبلية»، وينسب الفضل إلى نفسه! ألا فاعلموا أنه جُهْد الشيخ: الطريقي في ثلاثة عقود!
10. حاول استيعاب مصادر الترجمة، ورتبها حسب الأقدمية، ووجدته في غاية الأمانة في عزو الفائدة إلى صاحبها، وهذا من بركة العلم؛ ووجدته لا يستنكف ولا يستكبر من العزو إلى مصادر حديثة، ودراسات الأقران، ومن هم في طبقة تلاميذه، وكذا النقل من الصحف والمجلات، والمشافهات؛ لأن الهدف المعلومة؛ ومن تواضع لله رفعه الله.
11. ذكر في المقدمة: فقه الإمام أحمد، ومميزات المذهب، وانتشاره في البلدان، والتحولات المذهبية، من المذهب وإليه، والحنابلة والحسبة، ومدارسهم، وطبقاتهم، والمؤلفات فيهم، وفوائد متنوعة رائعة.
12. وفي مسألة انتشار المذهب، بيَّن موطن المذهب في: بغداد، الشام، وبيوت الحنابلة فيها، القدس، لبنان، تركيا، الحجاز، بلاد فارس وما حولها، مصر، الأندلس وشمال أفريقيا، الحنابلة في نجد، وهنا أطال فيها وأحسن وابتدأ بذكر أقوال أهل العلم في تحديد بداية دخول المذهب الحنبلي إلى نجد، وذكر ثلاثة أقوال في المسألة...
13. أضاف مُلحقين، الأول: فيمن عُدَّ من الحنابلة وليس منهم. والثاني: من عُدَّ من الحنابلة ولم يظهر للمؤلف أنه منهم.
14. المجلد الأخير، وهو الرابع عشر، فهارس علمية دقيقة.
15. أجاب الدكتور على اعتراض قد يرد عليه: ما فائدة عرض تراجم لأشخاص -خاصة من النجديين المتأخرين-، وهم ليسوا من العلماء؟ فأجاب بأن الكتاب ليس مخصصاً للعلماء فقط، بل كل منتسب للعلم، وهؤلاء مظنة لقلة من يكتب عنهم، خاصة من له أثر في التربية والتعليم، وذكر أنه مسبوق إلى هذا العمل في غالب كتب التراجم السابقة، وأيَّد وجهة نظره بمقولة للشيخ البسام -رحمه الله- في «علماء نجد» (1-27)، وعمَلِه..
16. العمل كبير جداً، وعلى الله شكره، فشكر الله أوفى؛ وعلى أهل العلم أن يعرفوا للمؤلف والكتاب قدره، وما أسهل تلك العبارة: (فيه أوهام!)؛ لتنسف جهد ثلاثين سنة؛ خدم فيها بكتابه المميَّز: أهل الحديث، وفقهاء الحنابلة، وعلماء نجد، وأهل العلم عامة...
وما أشنع العبارة السابقة في كتاب كبير محرَّر، إذ ا لم تُسبق بذكر المحاسن، وشُكر المؤلف...
أسأل الله أن يجزي الشيخ أ.د. عبدالله الطريقي خير الجزاء على مؤلفاته النافعة، وبالأخص كتابه هذا «الحنابلة».
17. شرفتُ بزيارة الشيخ مرتين، فرأيتُ قامةً علمية متواضعة كريمة، ثريَّة الإنتاج بتميُّز -بارك الله له في علمه وعمله وعمره-، وقد طرحت عليه ملحوظتين، أذكرها هنا للقراء؛ للفائدة العلمية:
الأولى: وأراها ملاحظة كبيرة، وهي: أنه لم يذكر في الترجمة مؤلفات المترجَم، ولو أشهرها؛ اكتفاءً بكتابه القديم «مصنفات الحنابلة»، لأنه ذكر هناك المؤلفات المطبوعة والمخطوطة وأماكن وجودها؛ وهذا العمل في رأيي ليس بجيد؛ لأن العلاقةَ بيننا وبين الأولين مؤلفاتُهم، وبها عرفناهم، وإذا ذُكر العالم قيل في تمييزه أو التعريف به: صاحب الكتاب الفلاني. فمؤلفات العالم من أهم عناصر الترجمة.
لذا أقول: ما المانع أن تُذكر المؤلفات ولو المطبوعة فقط؟ ولا يلغي هذا كتابَه الأول، لذا أتمنى أن يُستدرك في الطبعة الثانية.
وليتَ ثم ليتَ تنفع ليتَ أن تتبنى «وزارة الشؤون الإسلامية» هذا الكتاب في طبعته الثانية، وأن تسعى في نشره.
الملاحظة الثانية: يذكر المؤلف في الترجمة والفهارس في نهاية اسم المترجم نسبته إلى بلدته، فيقول: البُريدي= «بريدة»، العُنيزي= «عنيزة»، القصيمي، الزلفوي= «الزلفي»، المجمعوي= «المجمعة»، الزبيري،... وهناك أسر بهذا الاسم، فيظن القارئ خاصة في البحث في الفهارس أن هذه أسرةٌ علمية كبيرة جداً، والحقيقة أنه نسب الأعلام للبلد؛ فدفعاً للبس خاصة في المتأخرين، أن يقتصر في نهاية الترجمة على لقب أسرته المشهور -ولو في الفهارس فقط-؛ ليسهل الوصول إليه في النظر إلى الأسرة.
أخيراً: الكتاب أكبر من أن يُتحدَّث عنه في مقال، وحقُّ الموسوعات الكبرى أن تُشهر ويُحتفى بها، وهذا أدنى شكر للعالِم، وموسوعتِه.