Saturday 17/05/2014 Issue 438 السبت 18 ,رجب 1435 العدد
17/05/2014

ضجيج البوكر

لا تمر أي دورة لجائزة البوكر العربية، إلا وتثير عقبها في الأوساط الثقافية العربية، كثيرا من الأسئلة الحادة، وتشعل بعض الحرائق، وتتركـ خلفها بعض الأحقاد، ولغة تستحضر من القبور بطعم المؤامرة.

حدث ذلك في مشهدنا المحلي في السنوات الأخيرة بالذات، وجاء ذلك بشكلٍ مكثف لجملة من الاعتبارات، يأتي في مقدمتها أننا آخر بلد، كتب الرو+اية في المشهد الثقافي العربي، وإذ أعتبر الرواية عربية كفن شمولي، فإنها في نظري لا تخضع لتصنيفات الهوية، ولو حضرت بسماتها وملامحها القطرية، لكنها في المقام الأول عربية الأصل والهوية واللغة، ولا بد أن تكتسب فضاء مناسباً لكتابتها، وهي في واقعنا الثقافي لم تكن كذلكـ ولم تحظَ بهذا الفضاء، فمنعت بسبب الحضور المكثف لــ ( التابو) الثلاثي المشهور، وحد من حضورها العائق السياسي والديني والمجتمعي، وبقيت محصورة في ومضات هنا وهناكـ، وقد كانت ولادتها المبكرة في المدينتين المقدسة من الوطن مكة والمدينة، ولكنها لم تكن كذلكـ في كل نواحي الوطن، وظللت خجولة مع محاولات للصديقين الراحلين الكبيرين إبراهيم الناصر الحميدان وعبد العزيز مشري رحمهما الله، ولما أقول الخجولة فإنها ظلت موازية لمحاذير التابو، واختط كل منهما له عالمه الخاص، فطفق الناصر يعالج قضايا المرأة، وتفرد المشري بعالم القرية، يسقطُ عليه مفاهيمه ورؤاه في اجتهادات، تحظى بعناية ورعاية المشهد الثقافي، ربما أحياناً لأسباب خارج الإبداع ذاته، ولو كان لجائزة البوكر هذا الحضور الآن لفاز بها..

ذلكـ الفضاء الذي كان يحرمُ ويجرمُ الكتابة الروائية، أصبح متسامحاً شاء من شاء وأبى من أبى بعد الحادي عشر من سبتمبر، وفتحت كل الأبواب للرواية ، وهذا ما تحتاجه الرواية كفن من مهماتها، كشف المستور في مجتمع محافظ، يمارس كل مؤبق من عاداته السرية، فيظهر في العلن برداء المثالية والطهارة، ولكنه يمارس في الخفاء ما يخجلُ منه ولا يسمح بتداوله، فجاءت دور النشر العربية من خارج محيطنا الثقافي، وحينها كانت دور النشر المحلية، تغفو في مكاتب المناقصات العامة في الدوائر الحكومية، وهبت الأجيال لكتابة الرواية من الجنسين، استجابة لبريق الشهرة وحضور مفردات التقنية الحديثة، وبمعنى مباشر أننا بيئة روائية خصبة لكنها محظورة، وتلكـ أولى انعكاسات ضجيج البوكر في مشهدنا المحلي. ويأتي ثانيها فوز الزملاء عبده خال، ورجاء عالم بالجائزة عبر دورتين متتالين، وشكل حضورهما وفوزهما بالجائزة، إغراء للأجيال الشابة والسعي للفوز بالجائرة لما لها من مكاسب، كتحقيقها لمساحة الانتشار الواسع والترجمة إلى لغات متنوعة، وجاء أخيراً حضور الناقد الدكتور سعد البازعي كرئيس للجنة الجائزة في هذا العام، ليضفى على الجائزة مزيداً من التوهج، وبالذات في مشهدنا المحلي، ولعل المساجلة ( التويترية) بينه وبين الكاتبة الروائية بدرية البشر، كانت واحدة من العلامات المضيئة ولن أقول الضجيج، لأنها كشفت لنا إلى أين نحن نسير ؟، ولما تركته الجائزة في مشهدنا المحلى من وهج، ولكنه كما أزعم لا يقود إلى الإبداع تماماً، ونفترض تجاوز تلكـ المساجلة بين الكاتبة الروائية والناقد، فقد تمنيت أن تتوقف تصريحات الدكتور البازعي، كقوله في تغريدة له ليلة فوز الروائي العراقي أحمد سعداوي بالجائزة (إحدى المرشحات للفوز، الكاتبة إنعام كججي، أشرفت على تدريب الفائز هذا العام حين التحق بدورة الكتابة الروائية قبل سنوات ضمن نشاط جائزة البوكر) والكاتبة إنعام كججي ناشرة أيضاً، ولكن لا يمكن لأحد أن يدرب أحد على الكتابة، ليفوز بجائزة وإلا لفازت بها إنعام نفسها، فالإبداع موهبة وخصوصية يمنحها الله لا تدربّ.. !!.

فوز الروائي العراقي الشاب أحمد سعداوي بالجائزة، جاء كما فاز بها من قبل الزميلين عبده خال ورجاء عالم، لأنهما طرحا كتابة جديدة، تكشفُ عن عالم جديد غير منظور للآخر، وكتبا بلغة كشف جديدة، وكما فاز بها في دورة البوكر العربية الماضية الروائي الكويتي سعد السنعوسي، لأنه كتب أيضاً بلغة جديدة، وكتابة كاشفة عن الواقعي الطبقي والعنصري، مست العمالة والمرأة والإنسان في مجتمعه، وحتماً هذا ما أظن أن الكاتب العراقي الفائز بالجائزة قد فعله، ففازت روايته (فرانكشتاين في بغداد) بالجائزة، وكشفت لنا عن عالم جديد، وجيل جديد يعيش في العراق بعد التسعينات ، وتعودنا أن هذا البلد يكون رائداً، يخرجُ منه التجديد في الإبداع الأدبي، مهما كان جنسه شعراً وسرداً، وأتذكر لقد بشّر بذلكـ في أحاديث جانبية في ملتقى الرواية بالباحة العام الماضي، وأفصح الناقد السردي المهم جداً في المشهد العربي الدكتور / عبد الله إبراهيم، وهو عضو في اللجنة يقف إلى جانب رئيس اللجنة الدكتور البازعي، وينبه إلى كتابة روائية حديثة وجديدة قادمة من بلاد الرافدين، تجترح فضاءاتها من عالم جديد، وهو وقد فاز بجائزة الملكـ فيصل الأخيرة للأدب، وكانت له محاضرة يؤكد فيها أن الرواية العربية، جديرة الآن بمسمى ( ديوان العرب) وما كان مؤلماً ومضحكاً فيها، وشر البلية ما يضحكـ ليلتها، أن بعض الأسماء النقدية المحلية تحاول أن تتذاكى، وتطرح ذاتها لنقد العوالم السردية، فطفوا على المشهد بكلام تنظيري، وضجيج خارج السرب في المناسبة بلغة بلهاء.

آخر الضجيج ما جاء من كلام حول الجائزة، حديث للروائي المصري يوسف القعيد في صحيفة عكاظ، وأظن أن حديثه لو نشر خارج مشهدنا، لن يمر بدون حوار ساخن وردود أفعال ، لما ورد في الحديث (الغاضب) من ملاحظات على الجائزة، وقد اعتبرها معادية للكتابة وهدفها اغتيال الرواية العربية..

ويرفض الكاتب الارتهان إلى تقليد جائزة البوكر البريطانية، ويتساءل : لماذا هذه التبعية الثقافية في تأسيس عدد من الجوائز المهمة على المستوى العالمي، وعندنا جوائز عالمية وحسب منها جائزة الملكـ فيصل وغيرها من الجوائز المتناثرة في العالم العربي، وأضيف لها جائزة نجيب محفوظ في مصر وجائزة الطيب صالح في السودان، وهي جوائز مخصصة للأعمال السردية، وفاز بجائزة محفوظ رائد كبير كعبد الرحمن منيف رغم قلة مواردها المالية، مقارنة بالجوائز في الدول العربية الخليجية بالذات، لكن لها قيمة معنوية كبيرة وترسخ تقاليد ثقافية ؟ ويمضي الروائي المصري صاحب رواية (شكاوي المصري الفصيح) الذي يكتب في فضاء كتابي عربي، يعد فضاء خصباً وكثيفاً للكتابة الروائية التراكمية في العالم العربي، ويشخص وهو يوجه سهامه للبوكر العربية ، ويستدركـ فلا يلزم أحد بما يلزم به نفسه تجاه الكتابة والنشر، لكنه يرى أن هناكـ في العالم العربي من يتعمد نشر رواياته بتواريخ مختارة، تتيح كي يكون له حق الاشتراكـ في البوكر، ونظل ندور في دائرة هذه الجائزة من السنة إلى السنة، ودلل على افتقار الجائزة لمعايير النقد الأدبي وعدم موضوعيتها، اختيار الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد المصري لرئاسة لجنة التحكيم العالم الماضي، وهو رجل ليس له علاقة على مستوى الكتابة بالأدب أو النقد الأدبي أو الرواية !

** ** **

ومضة :

مبروكـ للدكتورة هلالة سعد الحارثي نيلها درجة الدكتوراه بعنوان رسالتها (التراث السردي العربي في الرواية السعودية)، ومبروكـ أيضاً لـ ريم مفوز التي نالت درجة الدكتوراه بعنوان رسالتها «الشخصية في الرواية السعودية» في تخصّص النقد الحديث، وهن وغيرهن من الجيل الذي سيراهن عليه، وقلت عنهم في ذات مقال وعبر جماعة السرد أكثر من مرة، بأنهم سيحضرون بعد الطفرة الروائية، لدراسة المنجز الروائي وفرزه بعيون بصيرة!

- الرياض