ذهب ابن جني في (الخصائص، 3: 135) إلى إنابة الحرف عن الحركة، قال «وذلك في بعض الآحاد وجمع التثنية وكثير من الجمع»، وأما الآحاد فأراد بها الأسماء الستة، قال «فالآحاد نحو أبوك وأخوك وحماك وفاك وهنيك وذي مال»، وهكذا أورد اثنين منها مرفوعين واثنين منصوبين واثنين مجرورين، ثم قال مفسِّرًا «فالألف والياء والواو في جميع هذه الأسماء الستة دواخل على الفتح والكسر والضم. ألا تراها تفيد من الإعراب ما تفيده الحركات: الضمة والفتحة والكسرة».
وهذا القول الذي يقوله مبني على فرضين؛ أما أحدهما فهو أن علامة الإعراب هي الحركة، وأما الآخر فهو أنّ كلّ مدٍّ مسبوق بحركة قصيرة من جنسه، وليس الأمر كذلك؛ إذ المدود ليست سوى الحركات أنفسها ممطولة. وأمّا ما حدث في الأسماء الستة في لغة من لغاتها فهو أن الحركة مطلت، بعد الإضافة، على هذا النحو: أبٌ+كَ ) أبُكَ [وهي لغة من لغات العرب]) أبوك. ويمكن كتبها صوتيًّا هكذا:
ء ـَـ ب ـُـ ك ـَـ ) ء ـَـ ب ـُـ ـُـ ك ـَـ
وعلى هذا فليس من نيابة حرف عن حركة بل هو تحول حركة من قصر إلى طول، فعلامة الرفع ضمة طويلة وعلامة النصب فتحة طويلة وعلامة الجر كسرة طويلة.
وقال «والتثنية نحو الزيدان والرجلَين، والجمع نحو الزيدون والمسلمين». ويمكن القول هنا إنّ علامات الإعراب في المثنى والجمع هي علامات المفرد ممطولة، ولَمّا كانت علامات المفرد عند مطلها غير كافية لكل حالات الإعراب جعلت الضمة الممطولة (واو المد) علامة رفع جمع المذكر (زيدون)، وجعلت الكسرة الممطولة (ياء المد) علامة للجر والنصب (مسلمين)، وبقيت الفتحة الممطولة (الألف) لتكون علامة رفع المثنى (رجلان)، ومُيزت حالة الجر والنصب فيه بإقحام الياء بعد الألف وتقصيرها تخلصًا من المقطع المديد: (رجلا[ي]نِ = رجلاين) رجلَين)، وكتبها صوتيًّا: ر ــَـ ج ـُـ ل ـَـ ـَـ ي ن ـِـ ) ر ـَ ج ـُ ل ـَـ ي ن ـِـ.
وقال ابن جني «وأعربوا بالنون أيضًا، فرفعوا بها الفعل: يقومان ويقومون وتقومين فالنون في هذه نائبة عن الضمة في يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة، وإنما الموضع في الإعراب للحركات، فأما الحروف فدواخل عليها».
وهنا يمكن الاستفادة من قول السهيلي الذي يذهب فيه إلى أن «فالنون في تثنية الأسماء وجمعها أصل للنون في تثنية الأفعال وجمعها» (نتائج الفكَر، ص84). وكما تذهب نون المثنى والجمع للتركب الإضافي فإنها في الفعل تذهب للتركب الإعمالي بدخول الناصب أو الجازم على الفعل؛ وكما كان ذهاب النون دليلا على عدم الإفراد كان ذهابها من الفعل دليلاً على عدم التجرد، ومن هنا يمكن القول إنها علامة مناظرة للحركة لا نائبة عنها.