Saturday 17/05/2014 Issue 438 السبت 18 ,رجب 1435 العدد

تاريخ الترجمة بين العربية والروسية

تُعد الترجمة من أقدم أوجه النشاط الإنساني؛ إذ ظهرت بظهور الحاجة إلى وسيلة للتواصل بين الشعوب والأمم. وقد لعبت الترجمة - وما زالت - دوراً مهماً في التقارب بين الحضارات. وقد انطلقت عملية الترجمة بين العربية والروسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ويعد كل من الشيخ محمد عياد الطنطاوي والمستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي صاحبي الفضل الأول والأكبر في تدشين هذه العملية.

وُلد الشيخ الطنطاوي عام 1810م، وكانت مصر في تلك الفترة تعيش فترة تنويرية، وباتت الحاجة إلى الترجمة شديدةً، وكان من بين تلاميذه المستشرقان الروسيان نيقولاي موخين ورودلف فرين، ومن خلالهما تمت دعوته للتدريس في روسيا، وكان ذلك في عام 1840. وقد عاش الطنطاوي نصف قرن فقط، ورغم ذلك كان إنتاجه ضخماً، حتى أنه مُنح أعلى وسام في الإمبراطورية على جهوده في نشر اللغة العربية والترجمة. ومن أهم مؤلفاته كتاب «تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسيا»، وكتاب «أحسن النخب في معرفة لسان العرب»، وترجمة كتاب «تاريخ روسيا المختصر» لأوسترالوف، والباب الأول من «كلستان» لسعدي الشيرازي، إضافة إلى ترجمة الأمثال العربية الشهيرة إلى اللغة الروسية.

وفي المقابل يُعد أغناطيوس كراتشكوفسكي أحد أهم مؤسسي مدرسة الاستشراق الروسية. وُلد عام 1883م، وقد تولى عمادة معهد الاستشراق في موسكو، وألَّف ما يزيد على 450 بحثاً أو كتاباً في مجال التعريب والدراسات الشرقية، لعل أهمها ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية. كما ترجم العديد من الأشعار العربية إلى الروسية، وكذا مخطوطات مكتبة الإسكندرية ومختارات من روائع الأدب العربي.

وقد شهد القرن الماضي إنتاجاً ترجمياً مهماً؛ إذ مرت حركة الترجمة من وإلى العربية بمراحل عدة، صعوداً وهبوطاً، وسنتوقف عند المحطات المهمة فيها.

ففي بداية القرن العشرين نشطت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية الروسية. وقد انصبت معظم الترجمات في تلك الفترة على التعريف بالأدب الروسي وتاريخ روسيا وحضارتها. ومن أبرز مترجمي تلك الفترة سليم قبعين وخليل بيدس، ويعود لهما الفضل في ترجمة بعض مؤلفات كبار الكتاب الروس، ونذكر منهم ليو تولستوي وماكسيم جوركي وبوشكين وجوجول وتشيكوف. وصدرت ترجماتهما في الفترة بين 1900 - 1909م.

وقد شهدت فترة الحرب العالمية الأولى جموداً في حركة الترجمة نظراً للظروف السياسية والإقليمية المحيطة، ثم عادت ونشطت مرة أخرى انطلاقاً من مصر هذه المرة؛ إذ أخذ المترجمون المصريون ينقلون أعمال الأدب الروسي إلى اللغة العربية، ليس فقط عن اللغة الروسية، ولكن عن لغات أخرى وسيطة كالإنجليزية والفرنسية. وقد تُرجمت تقريباً أعمال كبار الكتاب الروس كافة، ومنهم دوستويفسكي وتولستوي وتشيكوف. وشهد المسرح المصري طفرة هائلة وازدهاراً بفضل الاستفادة من هذه الأعمال.

ثم كانت فترة الخمسينيات من القرن الماضي، التي شهدت ظهور ترجمات رائعة لأمهات الأدب الروسي، وعلى رأسها الأعمال الكاملة لدوستيفسكي وتولستوي. وقد قام بهذا العمل الكبير الأديب الشهير السوري الدكتور سامي الدروبي، الذي يعد أشهر من ترجم الأدب الروسي رغم عدم درايته باللغة الروسية؛ إذ كان يترجم عن الفرنسية.

وتضمنت مكتبة الأدب العالمي التي أصدرها الاتحاد السوفييتي السابق أكثر من 200 مجلد تعريفي بالأدب العربي، وتُرجمت نصوص أدبية لكتاب عرب، منهم نجيب محفوظ وجبران خليل جبران ومحمود درويش وعبد الرحمن الخميسي ويوسف السباعي ويوسف إدريس.

ومن بين دور النشر الروسية التي لعبت دوراً مهماً في الترجمة نذكر دار نشر «رادوغا» و»التقدم». ومن المترجمين العرب الذين نُشرت كتبهم من خلال دور النشر تلك أبو بكر يوسف من مصر ويوسف الحلاق من سوريا وخيري الضامن من العراق؛ إذ ترجموا أعمال ماياكوفسكي وجوركي وشولوخوف واخماتوفا وباسترناك وراسبوتين. أما أولئك الذين عملوا في حقل الترجمة من العربية إلى الروسية فنذكر المترجمة الروسية أولجا فلاسوفا وفاليريا كيربيتشينكا وأولجا فرالوفا وفلاديمير شاجال.

وبفضل المترجمين الروس والعرب تعرف القراء في روسيا على مؤلفات أبرز الأدباء العرب المعاصرين من مصر وسوريا والعراق والمغرب العربي. وتشير الأرقام إلى أن ما صدر من مؤلفات الكتاب العرب في العهد السوفييتي بلغ نحو 600 عنوان باللغة الروسية.

وهكذا نلحظ أن عملية الترجمة بين الروسية والعربية قطعت أشواطاً مهمة خلال عمرها الذي يزيد على قرن من الزمان.

وشهد القرن العشرين تواصلاً واسعاً وتأثيراً متبادلاً بين المثقفين والأدباء والمبدعين في كل من روسيا والعالم العربي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حركة الترجمة.

وفيما يتعلق بواقعنا العربي في الترجمة إلى الروسية فإنه يتسم بالفردية والافتقار إلى المنهجية باستثناء محاولات قليلة قامت بها مؤسسات علمية، تُعنى بتدريس اللغة الروسية، نذكر منها إسهامات أساتذة كلية الألسن بجامعة عين شمس وقسم اللغة الروسية بجامعة بغداد وكذلك برنامج اللغة الروسية بجامعة الملك سعود.

وفي النهاية يجب القول إن ما تم إنجازه على طريق تحقيق حلم ترجمة الأعمال الكبيرة كافة في الثقافتين يعد قدراً لا بأس به، ويمكن البناء عليه. وفي ظني، فإن صياغة منهجية وخطط كبيرة لترجمة الإصدارات المهمة أولاً بأول واستقطاب المترجمين كافة بين اللغتين، والاستفادة منهم بالشكل الأمثل، وتشجيعهم، يمكن أن يؤتي ثماراً جيدة.

محمد نصر الدين الجبالي - أستاذ اللغة الروسية المشارك - كلية اللغات والترجمة - جامعة الملك سعود Mnasr712003@yahoo.com