«لا تخبرك القصصُ أن التنينَ كائنٌ حقيقيٌ، لكنها تقول: إنك تستطيع التغلبَ عليه»
حكاية ديسبيرو
على امتدادِ الحكاياتِ يظهر الفأركائنًا حادَ الذكاءِ يستطيع التخلص من غضبة الأسدِ، ثم تخليصه لاحقًا من الشرَكِ الذي وقع فيه تعبيرًا عن امتنانه لأنه لم يأكلْه في لقائهما الأوّل، مـُظهرًا سلوكًا حضاريًا يليق بفأرٍ حقيقيٍ! وإلى جانبِ تاريخها الوبائيِ –لارتباطها بمرضِ الطاعون- كانت الفئران ُإشارةً للخراب ِفي موضعين؛ تجلّى الأولُ في نبوءِة عرافةٍ في اليمن التي رأتْ حلمًا ثم صادفتْ فئرانًا في وقتٍ لاحقٍ من يومها، وأيقنت أن سد مأربَ سينهار على «نواجذ» هذه القوارض، ويظهر الثاني في غزو الفئران لبلدة «هاملن»، وكان في ذلك علامة ًعلى دمارِها مرتين: الأولى لانعدام نزاهة ِأهلها والمرة الثانية لأنَ العازفَ أخذ أطفالَ البلدةِ بعيدًا، ولا يعني ذلك سوى أن الفئرانَ هي رسالةُ تحذيرٍ حكيمة لمن يعقل، وأنها قد تكون وسيلةً للتغيير، إن آمنتَ بها!
حين كتب» سرفانتس» روايته» دون كيشوت» لم يتوقّع أنّ بطلَه سيتحوّل إلى مصطلحٍ مرادفٍ للفشل أو الدخولِ في معارك َناصعةِ الخسارة! وكل من عرف «دون كيشوت» لم يرَ فيه إلا فاشلًا لا يتمكّن من تقديرِ الأمورِ حقَ قدرها، وبالمقابل اعتـُبر «سانشو» تابعه البسيط أكثرَ حكمةً، والواقعُ أنه كان أكثر جبنًا! ولكن هل يمكنُ أن نعتبرَ فأرًا تطورًا طبيعيًا لشخصيةٍ بشريةٍ وإن كانت روائية؟ «ديسبيرو» الفأر الشجاع في فيلم «حكاية ديسبيرو» المأخوذ من روايٍة تحمل الاسم نفسه، لم يرَ في نفسه فأرًا، وبدلًا من ذلك كان يجيب كلَ من يسأله أنه رجل نبيلٌ يؤمن بالحقِ والعدلِ والحريةِ، ولم تجدِ محاولة «فأرنته» في مدرسته ومن أسرته نفعًا ،لأنه ظل مؤمنًا بكل تلك القيم، وظل واثقًا من قدرتِه على إحداثِ التغيير يومًا ما!
إنّ «دون كيشوت» بمنظورٍ موازٍ يمكن أن يكونَ شخصًا حالمًا يسعى نحو ما آمن به كلُ المناضلين في هذا العالم، وكلهم واجهوا طواحينَ هوائـِهم الخاصة بشجاعةٍ ولو بعد حين، وانتصروا وإن دفعوا حياتهم ثمنًا لذلك! والتاريخ يقدم لك أمثلةً كثيرة على هؤلاء الحالمين «المضحكين» وأولهم صاحب العبارة الشهيرة I» have a dream «لديّ حلم «مارتن لوثر كينج الابن» الذي طالب بإنهاءِ التمييز العنصري في أمريكا، وكذا فعل مواطنُه «مالكوم إكس»، وكلاهما انتهى النهاية نفسها اغتيالًا على يد معارضيهم، ومثلهما «لوركا وجيفارا « وفي التاريخ ِالأحدثِ «غياث مطر وإبراهيم القاشوش» – اللذان طالبا بالحريةِ للشعب السوري- وتبدو الأمثلة تنهال ولا يمكن حصرها على مر ّالتاريخ، وهذا ما لا يجعل الفأر «ديسبيرو» و«دون كيشوت» حالميْن بالمعنى السيء أو لنقلْ واهمين، فكل أولئك بدأت قصصهم العظيمة بحلمٍ كان مجرد وهمٍ في عيون الآخرين/ الجبناء.
نهيز أخير: «عندما نتمتّع بالأملِ، لا يمكن ُ أن نكون َسجناءَ لأحدهِم» حكاية ديسبيرو