في عام 1979 ذهبت لمعرض تشكيلي لصفية بن زقر، في جدة وتفاجأت أني السعودي الوحيد في القاعة، وكل من حولي أوروبيون، واخذتني اللوحات في حال استغراق تام حتى كسر استغراقي جملة وقعت على أذني تقول في وصف لإحدى اللوحات (Too busy) وهذا ما جعلني استمر في استراق السمع لما ورد من تعليقات بعد ذلك، وكلها كانت إيجابية، ولكني ظللت مرافقاً لمسار الرجل ومرافقيه وكنت صامتاً مصغياً حتى بدأ يتساءل عن تلك اللوحة المملوءة بالتفاصيل حتى لتحاصر تذوق الناظر فيها مثل قصيدة أو نص أغرقته التفاصيل وأربكت استقباله، وأصر الرجل على تساؤلاته دون أن يسعفه صحبه بجواب سوى الاستغراب، وهنا استأذنتهم بأن أتدخل، وقلت إني أتوقع أن تكون تلك اللوحة من أوائل أعمال الفنانة، ومع البدايات يكون ذهنها محشوا برغبات متزاحمة، تريد كلها الخروج دون انتظار لدورها، وهو ما يسمى بالإجبار الركني (في علم الأسلوب) وإذا داوم الفنان على العمل بدأ ذهنه يترتب ويأخذ بحرية الاختيار بعد أن يتحرر من الإجبار الأسلوبي، وهذا ما يفسر ارتياح باقي اللوحات وخروجها بتوازن جمالي وذوقي، شرحت فكرتي له لأجده يسألني من أي بلد أنا، وانتهى الحديث بأن كرر علي ما كنت قد أحسست به من غياب السعوديين، وكان ذلك في زمن لما تزل الثقافة فيه نائمة حتى إن جمهورنا في النادي الأدبي لا يزيد عن بضعة وجوه نعرفها وكأنما نحن في نادٍ خاص وليس عاماً.
ما زلت أتذكر ذلك المعرض وما نلته فيه من متعة فنية مع لوحات صفية بن....!!!
وهنا أضع علامات التعجب لأنني واجهت لحظة محيرة مع اسم صفية بن زقر، وعجز لساني أن يمضي براحة مع الاسم، وظللت أقول (بنت زقر) وتعزز عندي التفكير في أسماء النساء، وأنا من نشأ في أحضان الجهنية وجوار الخنينية والبسامية والطعيمية، وسمعت عن المطرودية، وقد ذكرتهن في كتابي (الجهنية) واستمر السؤال حتى صرت أطرح الفكرة في كل محاضرة لي وعلى تويتر من أجل احترام خصائص المرأة وتقدير المعنى المؤنث بدءاً من أول علاماته (الاسم) وامتداداً لكل أمر يخص المرأة ويقرر حقها الثقافي والمعنوي.