قلتُ في المقال السابق «... كأن هناك أناساً جاؤوا ورحلوا، فقط، ليتركوا لنا قصصاً أبلغ من خيالاتنا، وأصدق من وقائعنا، اجتازوا بها.. المنتهى، وتجاوزوا حدودهم المكانية والزمانية، واكتفى الآخرون بالنظر لهم.. كلوحة على الحائط.. رائعة بقدر ما هي دامية، وشائقة بقدر ما هي حزينة، ومشوِّقة بقدر ما هي مبكية...»
وإن من هؤلاء الناس، من إذا قرأت عنه اندهشت، أو سمعت عنه « فغرت «، لهول ما تقرأ.. وما تسمع، ففي حيواتهم الغرامية أحداث شائكة، وفي قصص عشقهم حبكات مذهلة، و لا أدري هل تتفق هذه الحبكات والعقد مع أبدع الروائيين أم هي أوسع من رقعة الخيال، وأبعد مدىً من مدى الإبداع؟، والحق أنني لستُ بصدد الجرح والتعديل في الروايات الأدبية، في هذا المقال على الأقل!!
وأذكر ليلى الأخيلية التي قال لها الحجاج بن يوسف الثقفي « أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيكِ توبة «. - وقد عرفت العرب وسمعت العجم بعشق لا ينتهي، وحب لا ينفد بين ليلى وتوبة بن حمير - فما كان من ليلى التي أرسلت تنهدية كاللهب، واستحضرت توبة الذي لم يكن غائباً، في بعض ما قاله فيها، فقالت:
وَكُنْتُ إِذَا مَا زُرْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ
فَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الغَدَاةَ سُفُورُهَا
وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا صُدُودٌ رَأَيْتُهُ
وَإِعْرَاضُهَا عَنْ حَاجَتِي وَبُسُورُهَا
وَأُشْرِفُ بِالقُورِ اليَفَاعِ لَعَلَّنِي
أَرَى نَارَ لَيْلَى أَوْ يَرَانِي بَصِيرُهَا
يَقُولُ رِجَالٌ: لا يَضِيرُكَ نَأْيُهَا
بَلَى كُلُّ مَا شَفَّ النُّفُوسَ يَضِيرُهَا
وأخال ليلى رأت بين البراقع والسفور حجم ريبة توبة، واستشفت وهي تتلو أبيات صاحبها.. فاجعة الصدود الذي لم يُرِده، وكارثة الإعراض الذي ابتغتْهُ، وطامة بسور/ عبوس وجهها لما رأته، وهذا يعني في شرعة الحب.. أنها ترمي بالأحلام في براكين البعاد والعناد، وتلقي بالذكريات في الأفران البشرية..، ولذلك سألها الحجاج «ما الذي رابه من سفورك؟» فقالت: سفرت له، لما أتى، وقد أرصد الحي له، فعلم أن هناك شرّ، فرجع من حيث أتى!