في البدء كانت الكلمة.. لم يكن يتوجب عليك الاّ أن تحمل لافتة بالكلمة التي تريدها، وهي كفيلة بتشكيل اماّ ربيعا أو خريفا..
اذن هل الثورات شكّلت الكلمة ؟ طبعا لا، فالكلمة موجودة منذ الأزل، لكن الثورات أعادت الصياغة والقيمة لبعض المفردات وجعلتها ترتدي رداء جميلا مرّصعا بالقيم والحكمة وكل مجتمع ناء بخصوصيته، فالمفردات التي افرزتها الثورات تجاوزت السياسة وأصبحت جزءا من حياة الفرد اليومية على الصعيد الثقافي والاجتماعي فعلى سبيل المثال لاالحصر، افرزت الثورة الليبية مفردة جديدة كليا على أذن المواطن العربي وهي « زنقة.. زنقة» لكنها ليست جديدة على اللغة العربية فعند الرجوع لأصل اللغة عند العرب نجد ان «زنقة» وجمعها «زنقات» هي المسلك الضيّق في القرية، امّا الثورة السورية استعملت كلمة «شبّيحة» بشد الباء، وهي للمبالغة على وزن «فعيّل» وهي تعني القوة الخارقة، وقد ارتبط هذا المعنى بكل شخص يستخدم العنف والقوّة والابتزاز لإرهاب الناس أو ترويعهم .
فالكلمات عادة تخرج من صميم المجتمع لتعبّر عنه وتتحدث بلغته لتقدّمه للشعوب الأخرى، وهنا تكمن روعة التواصل والتفاهم بين الناس.
يذكر التاريخ الثائر الفرنسي «دانتون» عندما صنع بجملته الشهيرة المجد للكلمة وهو أمام المقصلة أيام الثورة الفرنسية عندما قال : « أن الثورة تأكل ابناءها» عندها كانت الثورة الفرنسية من ابلغ الثورات لاستخدام الشعارات فهي استمدت أفكارها وقيمها من كتب وافكار فلاسفتها ومعلّميها كـ «جاك روسو» و «فولتير»، ايضا ساهمت في إنجاب اعظم الأعمال الروائية على الأطلاق للكاتب تشارليز ديكنز « قصة مدينتين» التي تؤرخ تاريخ الثورة الفرنسية من بدايتها الى سقوط «الباستيل» .
ايضا قدّم الكاتب «راغب السرحاني» اشهركتبه بعد الثورة التونسية وهو كتاب « ديقاج» يؤرخ فيه تونس من الحكم الروماني الى سقوط «زين العابدين»
وصدر ايضا لعدّة مؤلفين كتاب «الثورة اليمنية : الخلفية والآفاق» وهي معلومات وتحليلات تساعد في دراسة الثورة اليمنية وإعادة تشكيل الدولة وهو من تحرير» فؤاد عبد الجليل الصلاحي»
صدر ايضا كتاب «ليبيا في القرن الواحد والعشرين : من الرؤية الى تحقيق الأهداف» مؤلف الكتاب هو الدكتور «فتحي بن شتوان» اكاديمي تقلّد عدّة مناصب وزارية سابقة، الكتاب يقدّم رؤية استرشادية بين الواقع الراهن والمستقبل المرغوب. بنفس الصدد صدر للصحفية الفرنسية «ماري ليس» كتاب « تاكسي الى بنغازي» تروي فيه تجربتها في ليبيا خلال تغطيتها للأحداث في بنغازي ابان الثورة .
والتجربة المصرية لا تقل ثراء عن جاراتها فكتاب : ثورة التحرير في مصر» اخذ شهرة واسعة وهو تحليل شامل عن الثورة المصرية بقلم استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة .
وان تهافت صنّاع الكلمة نحو تأليف الكتب خلال الثورات فذلك لتوثيق هذا التاريخ بكل مايحملة من كلمات واحداث وافكار متداولة بين الناس، كلّ كاتب من خلال زاويته التي يرى بها الأحداث ويرى بها الحقيقة.
فكل الأعمال العظيمة لايتبين مقدار عظمتها الاّ بعد ان تدور عجلتها، ويفصل التاريخ في امرها، لكن ماافرزته الثورات من مفردات ونتاج ادبي زاخر على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي لانستطيع تجاهله أو إنكاره.