غادر عالمنا قبل أيام قليلة فقط المفكر التونسي عبدالوهاب المؤدب صاحب مؤلف «رهان الحضارات» عن عمر يناهز 68 سنة بعد صراع مرير مع المرض، وبعد أن قضى جل حياته في الاشتغال بالفكر والأدب والتعاطي مع الثقافة بكافة مكوناتها ما جعله منفتحا على ثقافات العالم ومتقبلا لها ومهموما بإيصال فكرة الإسلام السلمي للغرب وكذلك النتاج الفكري والأدبي لبعض المشتغلين بذلك من العرب.
لم يكن يقتصر اشتغال المؤدب على ذلك فقط فهو أيضا يعد كاتبا وشاعرا ومنتجا للبرامج في الإذاعة حيث اشتهر ببرنامجه «ثقافات من الإسلام»، وكان مديرا لمجلة «ديدال» الدولية. كما كانت له جهود ملموسة كناشر ومترجم وأستاذ في الجامعة ومقدم لبرنامج خاص عن الإسلام «لمدة 17سنة «في إيصال الثقافة العربية إلى الفرنسيين وأثناء اشتغاله بالنشر والترجمة، قدّم عدداً من المفكرين والشعراء والروائيين العرب مثل: الطيب صالح ونجيب محفوظ وأدونيس وغيرهم.
ففي العام 1967 درس المؤدب الأدب الفرنسي وتاريخ الفن الذي كان شغوفا به في جامعة السوربون وعمل أستاذا للأدب المقارن في فرنسا كما كتب الشعر والرواية، والدراسة الفكرية غير أنه اشتهر بكتبه حول الإسلام وأرجع البعض أحد أسباب هذا التوجه إلى ما كان يبديه المؤدب من عدم ارتياح تجاه نظرة الغرب النمطية للعالم العربي الإسلامي وأحكامه الجاهزة التي لا تأخذ بعين الاعتبار تنوع تركيبة هذا العالم وتعدد مكوناته ما ولد لديه الرغبة الأكيدة في تعريف الغرب بحقيقة الإسلام الأصيل رغبة في الدفاع عن الإسلام المنفتح والمتسامح الذي تم تشويهه وقد نجح في تسليط الضوء على الثقافات الإسلامية مستلهما في قراءاته لها بعدد من المراجع الغربية والشرقية.
وقد انصب اهتمامه بشكل خاص على التصوف ورموزه وأعمالهم بخاصة أعمال الحلاج والنفري وابن الفارض وعمر الخيام، وعرف عنه كونه قارئا جيدا لتاريخ الديانات، ومطلع على الفلسفات القديمة ومناضلا في سبيل إشاعة قيم المحبة والسلام والشعر والتنوير. بدأ منذ العام 1970 بكتابة الرواية والشعر ومن أهم أعماله السردية رواية «الطلسمان» وفي الشعر ديوان «قبر ابن عربي» وفي الفكر كتاب «أوهام الإسلام السياسي».
ولد المؤدب في العام 1946 لأسرة تونسية محافظة تعود جذورها للأندلس وصفها في أحد حواراته بأنها» عائلة «عريقة، بورجوازية وأرستقراطية»، وكان والده يدرس الفقه وأصول الدين. وقد شرع المؤدب في تعلم القرآن في سن مبكر وهو لم يزل في الرابعة من العمر على يد والده، وعندما بلغ السادسة التحق بمدرسة فرنكوعربية بتونس، وكان يفخر بتداخل الجينات العربية والأوربية في تكوينه، وبدأ عشقه للقراءة والمطالعة في سن الصبا حيث بدا نهما للمطالعة بشكل ملحوظ، التحق منتصف الستينيات بجامعة السوربون لدراسة الأدب وتاريخ الفن، وحول دراسته للأدب الفرنسي قال إن ما جذبه إليه هو «الحرية وعصر التنوير مع فولتير وروسو، فبعدها الأول من تسامح وتعددية وحرية كان ينقص عندنا فتحول بداخلي إلى رغبة قوية». والمؤدب أيضا كان معجبا بما كان يكتبه في الخمسينات والستينات سارتر وبوفوار وكامو وميرلو بونتي «فأبهرني تأثيرهم وشهرتهم العالمية آنذاك» كما يقول. وحصل على الدكتوراه من جامعة مارسيليا في «الكتابة و الجينالوجيا المزدوجة».
قبل نحو 45سنة شرع في فرنسا في نشر أبحاثه ودراساته بمجلتي: «دفاتر السينما» و»الأزمنة الحديثة». وانشغل منذ منتصف السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات بمنشورات «سندباد» التي قدمت للقارئ الفرنسي كبار رموز الأدبين العربي والفارسي، لا سيما المرتبطين بالتجربة الصوفية. كما أشرف على تحرير مجلة «ما بين العلامات» ومجلة «ديدالوس».
وحصل في العام 2002 على جائزة «فرانسوا مورياك» عن كتابه الإشكالي «أوهام الإسلام السياسي»، وفي السنة نفسها فاز بجائزة «ماكس جاكوب»، عن مجموعته الشعرية «مادة العصافير»، وتلتها جائزة «بينيامين فوندان»، سنة 2007 عن كتابه «الخطب المضادة»، ثم نال جائزة الدوحة عاصمة الثقافة العربية عن جملة أعماله التي تجاوز عددها 35 كتابا منها: أقوال البسطامي، الغزالة والطفل، حكاية المنفى الغربي للسهروردي، الصورة واللامرئي، مواجهة الإسلام، الإسلام بين الحضارة والبربرية، ربيع تونس، اِرحل! الثورة.