قال لي: ما عدتَ مفتونًا كما كنتَ بأنفاسِ الصباحْ!..
لم تَعُدْ تحفلُ بالورد إذا ما فَتَّحَتْ أكمامُهُ ..
لم تعد تحفل بالطير إذا حَطَّ وراحْ ..
أو شَدا لحْنا جميلا ..
أو أصمَّ الأذنً أصواتُ النُّواح ..
لم تعد تسمع تلفازًا .. ولا حتى إذاعةْ ..
لم تعد تحفل بالأخبار صِدْقا .. أو إشاعة ..
لم تعد تقرأ تحليلا ولا رأيا لكتَّاب الصحافة ..
لم تعد تهتمُّ بالشعرِ، ولا الفنِّ، ولا ..
ما الذي يجري بساحاتِ الثقافة!
قلتُ: يا صاحِ .. صحيحٌ كلُّ ما قلتَ ..
فلا تنْكَأْ جراحي!
أيُّ شيءٍ حولَنا أصبحَ يدعو ..
لانبساطٍ وانشراحِ؟!
يا صديقي:
لم أعد أبصرُ صُبْحًا في الصباحِ!!
هل ترى من منظرٍ يغري عيونَ الناظرينْ؟!
أيُّ أخبارٍ تّسُرُّ السامعين؟
شِعرنا أضحى نفاقا.. إنْ مديحا أو رثاءْ ..
والثقافاتُ غَدَتْ مهزلةً ..
ليس فيها غيرَ تهريجٍ.. وسُخْفٍ .. وهُراءْ ..
ومقالاتُ المجلات .. وأخبارُ الجرائدْ ..
ليس فيها من جديدٍ أو مفيدٍ ..
ليس فيها من فرائدْ ..
كلُّها تبكي عصورا ساحقاتْ ..
أو مغالاةٌ بتمجيد بلادِ الغربِ والشرقِ،
وجلدٌ للذواتْ! ..
والإذاعةْ؟!
لا تسلني يا صديقي ما الإذاعةْ؟
هيَ والتلفازُ باتا من رديئاتِ البضاعة..
غَدَتا أسوأَ ما أنجزهُ الغربُ على مَرِّ الزَّمانِ
من صناعة ..
نشرةُ الأخبار صارتْ نشرةً للموتِ والقتلِ وأنواعِ الفناءْ ..
نشرةً للموت تستدعي الرثاءْ!
استمعتُ الآنَ للنشرة من إحدى محطاتِ الفضاءْ ..
قرأتْها غادةٌ حسناءُ،
ما فيها حياءْ!
بدأتْ نشرتَها ضاحكةً يعلو محياها ابتسامْ ..
فتحتْ نصفْ القميصِ القرمزي..
حتى بدا زوجُ اليمام!
وارتدت (تنُّورَةً) تكشِفُ ساقا كالرُّخام! ..
قالتِ الحسناءُ:
ها كمْ نشرةَ الأخبارِ في هذا المساءْ!
أردفتْ ضاحكةً: هيَا اسمعوني باعتناءْ ..
لا يُشَتِّتْ سَمعَكم ما زانَ وجهي من مساحيقِ الطِّلاء ..
أولُ الأنباءِ أنَّ الحاكمَ الأعلى لـ (نبتون) ..
زارَ هذا اليوم سلطانَ (عطاردْ) ..
وجرى حفلٌ كبيرٌ للقاءْ ..
وجرى حفل شبيهٌ للوداعْ ..
ثم عاد الضيفُ جَوًّا لِدِيارِهْ ..
وبَدا السلطانُ مسرورا سعيدا بانتصارِهْ..
فلقد أنهى عقودا من خصامٍ مع جارِه!
جاءنا الآن بشكل عاجلِ هذا الخبرْ :
ضربتْ دولةُ (نبتونْ) بالصواريخِ أراضٍ لـ (عطاردْ)! ..
ماتَ من أبنائها ألفُ مواطنْ ..
ومُعاهَدْ ..
ما مضى يومٌ على تلكَ الزيارة ..
ما مضى يوم على ذاك التعاقُدْ!
ثالثُ الأخبارِ من كوكبِنا :
أطلقتْ قواتُ جيشِ (المشتري) ألفيْ قذيفةْ ..
في الأراضي الـ (زحليِّة) ..
وقعتْ واحدةٌ منها على كوخِ صفيحْ ..
فأصابتْه إصاباتٍ خفيفةْ ..
ثم رَدَّتْ (زُحَلٌ) من فورها..
ردةَ الفعل العنيفةْ ..
فأبادتْ من بلاد (المشتري) عشرينَ قريةْ ..
يا لها من دولةٍ حقًّا مخيفةْ!!
وإليكمْ نبأٌ آخرُ من عصرٍ سحيقْ :
غضبَ الشاعرُ همامُ المسمى بالفرزدقْ ..
إذ سرتْ في الناس أشعارُ جريرِ بنِ عطيَّةْ ..
ودرى أن المُسَمَّى (مِرْبَعًا) خلفَ القضيّة ..
كان يروي كلَّ ما قال جريرٌ للبرِيَّة ..
أقسمَ الأيمانَ أن يُورِدَهُ حوضَ المنيَّةْ ..
«هدِّئوا من روعِ (ِمرْبَعْ)!
بشِّروه بالسلامة»!
هكذا قال جريرُ بنُ عطيَّةْ!!
بَقِيَتْ في نشرةِ الأخبارِ أخبارُ الحوادثْ:
في جبالِ الهَمَلايا..
صدمتْ دراجةٌ عاديةٌ عنزًا، فماتتْ ..
قدَّمَ الجيرانُ لحمَ العنزِ قربانًا لِـ (بوذا) ..
واشتروا للجار – من أموالهمْ –
عنزًا بديلةْ!!
في بلادي: صدمتْ حافلةٌ شاحنةً،
فاحترقتْ كلتاهُما..
رحمةُ اللهِ على كلِّ قتيلٍ وقتيلةْ!!
وأخيرًا..
جاءَ في نشرة أخبار الوطنْ:
تّمَّ توظيفُ ثلاثينَ مواطنْ..
بينما وُظِّف مليونُ غريبْ!!
أيُّ صبحٍ ظَلَّ في هذا الصباحْ؟
كي يؤدي بي إلى بعضِ انشراح؟!
يا صديقي .. لم أعدْ أبصرُ صبحا في الصباح!!