الأحساء، وما أدراك ما الأحساء؟! هي بلد كل شيء من الإيمان والجمال والروح والفن المعتق برائحة التراث الأزلي والحضارة الخالدة في عمق التاريخ؛ فتجد أطياف المثقفين من كل التخصصات والتوجهات يزخر بهم بلد النخيل كالنجوم المرصعة في سماء ليل صافية، يتسابقون إلى العلياء، لا تستطيع أن تميّز أحدهم عن الآخر، كما قالت بنت الخرشب عن بنيها ثكلتُهم أيهم أفضل!! ولا شك أن المجالس الثقافية التي تزدهر بها الأحساء كعلامة بارزة على تقدمها الثقافي تنبئ عن حراك متميز على الساحة الثقافية السعودية كلها، وليس على هجر فحسب! فقد أظلنا زمن تسابق فيه أصحاب المجالس على الأفضلية في الضيافة واستقطاب عدد أكبر من الجمهور المثقف، حتى وإن لم يكن له هو حظ كبير في الثقافة! ومع بزوغ فجر النادي الأدبي الأحسائي بعد مطالبات حثيثة وصبر جميل! كان الدكتور يوسف الجبر أول رئيس له. وكعلمي به وبحماسته وذكائه، قاد السفينة إلى بر الأمان، وإن كانت هناك قليل من الملاحظات! لكنها بداية أسست لقاعدة صلبة بجهد وإمكانات قد تكون محدودة! وللأسرة الكريمة الجبر الدور البارز والكبير في التبرع بمقر للنادي على نفقة العائلة الخاصة، وهذا إسهام تعودت عليه هذه الأسرة المعطاءة في خدمة المجتمع. ثم كانت الانتخابات التي أفرزت ما أراده المصوتون بأعضاء وشخصيات مثقفة، منها الأكاديمي، ومنها الأديب والكاتب.. وهذه عناصر لا شك أنها حاسمة حتى على الورق!! ولربما كانت البداية جيدة، وللحماس دوره في بداية المشوار! ولكن هل المحاضرات والندوات الثقافية فقط تكفي للدور الأساسي والحقيقي للنادي الأدبي أم هناك أدوار كبيرة وكثيرة لا بد أن يخطط لها الأعضاء بمنهجية سليمة ومتوافقة؟! وما دور النادي الأدبي وعلاقته مع المجالس الثقافية والمؤسسات بشكل عام؟! فجامعة الملك فيصل، بوصفها صرحاً علمياً وثقافياً، لم يكن لديها شراكات فعلية مع المجتمع بشكل فاعل، وإن كانت مشاركات خجولة لا ترقى إلى مستواها الحقيقي! حتى إننا لا نجد لها أدواراً فعلية مع المؤسسات الثقافية الأخرى في المجتمع، كالأندية الرياضية التي تتبنى لوحاتها الخارجية ممارسة الثقافة على استحياء! وقس على ذلك فرع جامعة الإمام محمد بن سعود، الذي يتهيأ لأن يصبح جامعة مستقلة! والكليات والمعاهد العليا الناضجة! وجمعية الثقافة والفنون كذلك! ولا شك أن العبء الأكبر في مسألة الحراك الثقافي يقع على كاهل النادي منذ ولادته؛ فهو امعني بذلك، وأُنشئ لهذا الغرض، والبقية إنما فروع، وتبع له؛ فيكون دوره الكبير في عدم اقتصاره على المحاضرات فقط، وإنما يتعدى إلى كل ما هو هادف وجدير باهتمام المجتمع ثقافياً بشكل عام وأدبياً بشكل خاص، كمعارض الكتب والمسابقات والبرامج الثقافية التوعوية والتدريبية والنشرات والمجلات بأنواعها والكتب بتخصصاتها والأبحاث المحكَّمة وعقد الشراكات مع شرائح المجتمع ومؤسساته للارتقاء بالثقافة المجتمعية في كل مجالاتها. وبما أن الأحساء تملك إرثاً تراثياً لا يستهان به، كادت تصل به عالمياً إلى معجزات الدنيا لولا خذلان التصويت! فكان على النادي أن يستغل ذلك بالشراكة مع هيئة السياحة لبرامج ثقافية تراثية، تجذب أبناء الوطن للتعرُّف على أهمية هذه المنطقة المحفورة في قلب التاريخ. ولا ننسى ملتقى جواثا على تبني النادي له، وهي خطوة متميزة، إلا أن المسمّى أكبر من الفعاليّات المتواضعة، وهي فرصة كبيرة بأن تحظى المنطقة بمهرجان متنوع على مستوى عالٍ من الجودة الثقافية والأدبية مصحوباً بأيام للمشقّر والصفا، يأخذك إلى أيامهم بذكريات الأمس البعيد حتى يكون نموذجاً لأيام العرب الأخرى بحصونهم وأسواقهم المعروفة إحياءً لتاريخ طالما تشوقنا إلى أن نعيشه حقيقة وليس على سبيل الحكاية فحسب! نعيشه خيالاً وواقعاً وفكراً وروحاً وشعراً ونثراً ومسرحاً متنوعاً من كل بحر قطرة كتمورها اللذيذة المتنوعة بأعذاقها وقلالها الوفيرة! فمهرجان سوق عكاظ وتجربته الجيدة بعباءة شاعرها كان له وقع جميل وصدى في الأوساط الثقافية والأدبية في أنحاء العالم العربي، بل تعدى ذلك إلى مجتمعات ثقافية وأدبية أخرى! هذه الموروثات التاريخية الأصيلة تقع على الأندية الأدبية مسؤولية بعثها من جديد بقوالب مختلفة، يتفرد بها كل نادٍ عن الآخر، فتبقى أماكنها شاهداً حياً، تتنفس من خلاله بقلب ورئتَي كائن تاريخي تحيا بحياته، وتموت بموته!!