هم إخوة أعتزّ بمعرفتهم عن قرب، وما زلت أتدارس التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للكويت والخليج معهم لظني أنهم مِن أعرف الباحثين المعاصرين به، وأن ما يجمع بين هؤلاء هو الجود النوعي في العطاء العلمي، والإحاطة الشاملة، والجديّة في البحث والاستقصاء، وأن الباحث المتتبع لكتاباتهم سيأخذها بارتياح مأخذ القبول والتسليم، وذلك لما عرفوا به من الإنصاف والالتزام بأصول البحث الرصين، وأن الدارس سيكون محظوظاً إذا ما قدّر له الاقتراب من أحدهم فكيف بكاتب هذا التقديم وقد عرفهم جميعهم مع أن التواصل معهم جاء متأخراً. على مدى التاريخ، يجتمع على ساحل الخليج العربي ما نعرفه من الجذور والأبعاد والفضاءات، غير أن التواصل الثقافي بين شعوبه وأُس?ره يظل دون الحد الأدنى، ناهيك عن الحد الأمثل بين كيانات لا يفصل بينها - بعد أن تنقشع سحابة الصيف - سوى قرار سياسي يقوله القادة والبرلمانات لتوحيد أعلامها ونقدها وعناوين سفاراتها بعد أن اتحدت شعوبها واقعاً في كل شيء.
إن في منطقة الخليج بعامة، كثيراً من الموضوعات العلمية البينية التي تنتظر جهداً بحثيّاً مشتركاً بين الدارسين وتعاوناً أوسع بين المؤسسات الأكاديمية، فما زال الدارسون في جامعاتنا ينكفئون على أنفسهم، أوبين أقرانهم، أو مع أمثالهم في الخارج، ولم تنجح المنظّمات الخليجية بعدُ في إنعاش تعاونات ثنائية أوثق بين الباحثين للتصدّي لتلك البحوث، وكم يُسعدنا في هذا الصدد التنويه بكثير من التقدير لبشائر مثل هذا التعاون المأمول يتجسّد تحت مظلة مركز حمد الجاسر الثقافي بين الباحثين د. عبدالله الغنيم ود. عبدالعزيز المانع لإعادة تحقيق واحد من كتب التراث المهمة في مجال جغرافيا الجزيرة العربية.
إن الكويت اليوم والأمس مثل غيرها من دول الخليج، ليست نفطاً ولا غوصاً ولا مجرد جِمال وصحراء، وإنما هي تاريخ وثقافة وعمقٌ حضاريٌ وبُعدٌ إنسانيٌ، استطاع مثقفوها أن يكتبوه ويُدوّنوه ويوثّقوه، واليوم يستضيف هذا المجلس باحثاً جاداً وقف نفسه ضمن ثلّـة من الباحثين الكويتيين المتميّزين، لتدوين تاريخ بلادهم وصونه من الأخطاء، فالكويت كغيرها أيضاً من دول الخليج ما يزال تاريخها يتعرض للتشويه ولعل كثيراً منه لم يكتب بعدُ. ولطالما - مع ضيفنا اليوم - تجاذبتُ أطراف الحوار والاهتمامات في بعض المسائل التاريخية والتوثيقية المهمة عن شخصيات ذات أصول من هذه البلاد من أمثال قاسم محمد الإبراهيم، ويوسف عبدالله الإبراهيم، وعبداللطيف باشا المنديل معتمد الملك عبدالعزيز في البصرة، والذين يملأ تاريخهم دورالوثائق الكويتية والسعودية والهندية والبريطانية، وهاشم الرفاعي زميل الملك عبدالعزيز في الكتّاب بالكويت وأحد كتبته في ديوانه بالرياض، وعبدالله حمد النفيسي ممثل الملك عبدالعزيز في الكويت، وعبدالعزيز محمد العتيقي أحد المستشارين القدامى لفيصل بن عبدالعزيز نائب الملك في الحجاز في العشرينات، وهي موضوعات تفتح المجال للنقاش حولها في هذه الندوة أو في ندوة قادمة بإذن الله.
يقول موجز سيرته - وفق مركز المعلومات والدراسات في جريدة القبس ومكتبة البابطين اللتين تستحوذان على نشر بعض كتاباته وعطائه الفكري - إنه تخرّج في كلية التجارة من جامعة ليفربول، وعمل في الحقل المصرفي، وشارك في الإشراف الأكاديمي على عدد من الأطروحات العلمية المتصلة بتاريخ الكويت والخليج العربي، وبالإضافة إلى كتابه « تسمية الخليج « الذي صدر عن دار القبس سنة 2001 م، وقدم فيه قراءة في أصول التسمية، وكتابه المـُعنْون « من الشراع إلى البخار» الذي روى فيه قصة تأسيس أول شركة ملاحة عربية، وأصدرته دار الربيعان في الكويت عام 2003 م، وكتابه عن العلاقات الكويتية الفرنسية منذ عام 1778 م، فقد رصد المركز والمكتبة أكثر من ثمانين عملاً بحثيّاً نُشر معظمها في جريدة القبس، وهو اليوم لمـّا يزال الباحث والراصد الدؤوب والمتابع لما يقال ويكتب عن الكويت بخاصة والخليج بعامة، وقد أقلقه ما يُلحظ من ميل بعض الباحثين والمراكز التاريخية عن قصد أو بدونه، لتأصيل الأخطاء التاريخية وإضفاء الصّدقيّة العلميّة عليها، حيث يتحدث اليوم في هذا الموضوع مدخلاً لنقاش أوسع في جملة من القضايا التاريخية.
باسمكم، يحيي مركز حمد الجاسر الثقافي ومجلسه الأسبوعي، الباحث الكويتي الأستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم الذي انتظرنا مقدمه طويلاً من مقر إقامته في لندن لنحظى به ضيفاً علينا اليوم بكثير من الترحاب.
** ** **
* في تقديم المحاضرة ضحى السبت 15-3-2014