كانت خرافة الذئب وصغار الحمل، التي تدور على مغزى فوائد التحفظ، وعدم الاندفاع، أو الثقة في الغرباء، قد صيغت في توصية للصغار بأن يعرفوا أصول الأمان أولاً وقبل كل شيء، حتى لا يتعرضوا للمخاطر. وفي مواءمتها إلى الحالة المصورة، أن الذئب قد لبس جلد خروف على رأسه، لئلا يعرفه صغار الخرفان. لكن لماذا يلجأ الأدب الإنساني إلى الحيوانات في صناعة قصص الخرافة؟ أولاً الاتجاه إلى هذا الجانب المعجز في كون الحيوانات تتحدث، وتفكر بهذه الطريقة المتقدمة، بحيث تكون بيوتها محكمة وذات أبواب لا تنفتح إلا من الداخل؛ وفوق كل ذلك قادرة على أن تضع كلمات سر، لا يفتح الباب إلا عند سماعها، كما هي الحال في الثكنات العسكرية، أو المواقع المشفرة في العصر الحديث.
فقد عرف الساميون، وعلى وجه الخصوص الأكاديون وفروعهم من الآشوريين والبابليين، وكذلك العرب الجنوبيون، أشكالاً متعددة من تلك الخرافات آتية فيما يبدو من التراث الهندي والفارسي الغنيين بتلك العناصر، وخاصة مع انتقال تراثهم شرقاً إلى الرافدين، ثم سيطرة حضارات الرافدين لفترات طويلة على السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية. ثم تمكنوا من ذلك بسبب أن الممالك العربية الجنوبية لم تكن مهتمة بالشؤون العسكرية ومناكفات القوة، بقدر اهتمامها بثقافتها، وبالاقتصاد الزراعي على وجه الخصوص.
لكن لماذا جرت التعديلات على تلك القصة الرمزية؟ وهل هذه التعديلات قديمة، أم هي من ابتكار العرب المحدثين؟ الثابت أن تغيير الخروف إلى العنز يشير إلى الطبيعة الجبلية لمبتكري هذه التعديلات؛ فالماعز اشتهر بها سكان المناطق الجبلية في جنوب شبه الجزيرة العربية، مما يشير إلى احتمال كون تلك الإضافات من تلك البيئة. علاوة على ذلك هناك قلب لموازين القوى في تلك القصة؛ إذ إن الذئب هو الذي يتوسل بالحيلة، ولا يستخدم القوة المطلقة، ثم إن العنزة في النهاية تقتل الذئب، وتخرج صغارها من بطنه، وفيها طبعاً خروج آخر على منطق الأمور.
ففي هذه الصيغة المعدلة؛ كانت عنزة تسكن في بيتها مع أولادها وأكبرهم زيد ورباب، وكل يوم تخرج من البيت بعد إرضاعهم، وتحذرهم قائلة: لا تفتحوا الباب لأي طارق، لئلا يأتيكم الذئب، فيأكلكم، ولكن إن طرقت أنا فسأقول: «يو زيد، يو رباب، افتح لأمك الباب، في قرناتها حشيش حشيش، في ضروعها حليب حليب»، فحينئذ افتحوا الباب، فأطاعها الأولاد. وفي أحد الأيام سمع الذئب العنزة وهي توصي أولادها، ولما خرجت، أخذ يدق الباب، ويقول: « يو زيد، يو رباب، افتح لأمك الباب، في قرناتها حشيش حشيش، في ضروعها حليب حليب»، وكان قد غيّر صوته فانخدع الأولاد، وفتحوا الباب فأكلهم الذئب.
حين عادت الأم أخذت تطرق الباب مراراً بلا فائدة وهي تردد: «يو زيد، يو رباب، افتح لأمك الباب، في قرناتها حشيش حشيش، في ضروعها حليب حليب»، وعندما لم يجبها أحد، نطحت الباب بقرونها ودخلت فلم تجد زيداً ولا رباب.
خرجت العنزة راكضة لتبحث عن أولادها، فمرت على عنكبوت ثم مرت على خراف وسألتها، والكل ينفي رؤية أولادها، حتى مرت على حمامة؛ فحين سألتها قالت الحمامة: «مر الذئب من هنا، وكان بطنه كبيراً، لا بد أنه أكل أولادك، الحقي به، ستجدينه نائماً عند الحصا»، فأسرعت العنزة للحداد، وطلبت منه أن يُحدّ قرونها حتى أصبحت كالسكين، ثم ذهبت حيث نام الذئب فنطحته بقرونها وشقت بطنه فخرج أولادها، ورجعت معهم للبيت.
فعلام تدل التعديلات على الخرافة الأولى؟ المغزى الحقيقي من تلك الخرافة المعدلة ربما يتركز في كون الضعيف مع الذكاء قادراً على اجتراح المعجزات.